للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى الْكَفَالَةِ لُغَةً الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى الضَّمَانِ وَهِيَ الْقَبَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: ٩٢] أَيْ ضَامِنًا وَالْحَمَالَةُ وَالْأَذَانَةُ وَالزَّعَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] أَيْ ضَامِنٌ وَالصَّبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقَبِلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: ٩١] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: ١٦٧] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ} [إبراهيم: ٧] وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْإِذْنِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالتَّكْفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: ١٨] .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْكَفِيلُ حَافِظًا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ.

وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ الْمَرْمَى بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَرَادِفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ تِسْعَةٌ وَتَكُونُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعْدُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَوَعْدُهُ خَبَرُهُ وَخَبَرُهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ فَيَكُونُ الْحَالِفُ قَدْ حَلَفَ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ) قُلْت وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَمَا اشْتَغَلَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ مُرَادِفَاتِهِ وَاشْتِقَاقِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي الْمَذْهَبِ.

(مِنْهَا) إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ لِلصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا إلَّا أَنَّهَا بَاطِلَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمِلْكِ بِدُونِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهَا مَالِكًا لَهَا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ مَالِكًا عِصْمَتَهَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهِمَا مَالِكًا لَهُمَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلْفَتُهُمَا وَمُؤْنَتُهَا أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَارِبَهُ هَلْ يَعُدُّهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكًا لِقَرِيبِهِ فَيُعْتِقَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ شِرَائِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى زَعْمِ مَنْ اعْتَقَدَهَا بَلْ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَخَيَّلُهُ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْفِقْهِ وَالظَّنُّ بِالْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ لِأَنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ شَرْعِيَّةً ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِضَعْفِ الْمُنَاسَبَةِ جِدًّا أَوْ لِعَدَمِهَا أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مَعَ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ أَيْ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَكُونَ مُنَاسِبًا لَأَنْ يُعَدَّ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ وَإِقَامَةً لِلسَّبَبِ الْبَعِيدِ مَقَامَ السَّبَبِ الْقَرِيبِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ وُقُوعُهُ قَاعِدَةً مِنْ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ فِي تَمْشِيَةِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ مَا فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>