للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بَعُدَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ وَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يُفْهَمَ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ الْتِزَامَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ كَيْفَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنْ قُلْت الِالْتِزَامُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَانِثَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكَفَّارَةُ مَقْدُورَةٌ يُمْكِنُ الْتِزَامُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٌ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ وَهَذَا الْتِزَامٌ صَحِيحٌ.

قُلْت كَفَّارَةُ الْيَمِينِ غَيْرُ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَفَّارَاتٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ نُذُورٌ وَكَأَنَّهُ نَذْرٌ وَالْتَزَمَ بِطَرِيقِ النَّذْرِ عَشْرَ كَفَّارَاتٍ فَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ يُعْطِي ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَلْزَمُ عَنْهَا إذَا حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا نِيَّةُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عُرْفٌ اقْتَضَى نَقْلًا لِهَذَا الْمَجَازِ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ شَيْءٌ بِهَذِهِ الصِّيَغِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَتَحَرَّرُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا فِي الْكَفَّارَةِ بَلْ يَحْسِبُ مَا يَنْوِيه مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ بَعْضِ كَفَّارَةٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ شَرْعًا مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْكَفَالَةِ فِيهِ مَجَازًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّازِمَ الْكَفَّارَةُ وَتَعْيِينُ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَهُوَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِهِ فِي زَمَانِنَا شَيْءٌ فَإِنَّا لَا نَجِدُ هَذَا النَّقْلَ فِيهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ.

وَنَحْنُ لَا نَجِدُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَيَلْزَمُ أَيْضًا إذَا وُجِدَ هَذَا الْعُرْفُ وَهَذَا النَّقْلُ أَنْ يُرَاقِبَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْأَزْمِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ فَكُلُّ زَمَانٍ تَغَيَّرَ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ بَطَلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ وَكُلُّ بَلَدٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَمَّا الْفُتْيَا بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ أَصْلًا وَلَعَلَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ أَوْ كَانَ عُرْفُ زَمَانِهِ يَتَقَاضَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْفُتْيَا.

لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى نِيَّةٍ لَذُكِرَتْ مَعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عَرْفًا شَرْعِيًّا فَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ الْقُوَّةِ عُسْرًا مِنْ جِهَةِ قَوْلِنَا جَرَى لَهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ النُّقُوضِ عَلَيْهَا فَلِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا كَمَا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

إذَا حِيزَتْ الْغَنِيمَةُ وَانْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ فَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحَوْزِ وَالْأَخْذِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقِيلَ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

إذَا وَجَدَ الظُّهُورَ بِالْعَمَلِ فِي حَقِّ عَامِلِ الْقِرَاضِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَمْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ؟ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

إذَا وُجِدَ ظُهُورُ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ بِالْعَمَلِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَتَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ عَلَى عَكْسِ الْقِرَاضِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

قَالَ الْأَصْلُ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا بَاعَ شَرِيكَهُ شِقْصَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَتَحَقَّقَ لَهُ مَا يَقْتَضِي سَبَبَ الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَكُونُ مَالِكًا إلَّا بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ بِالْفِعْلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)

مَنْ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ كَالْفَقْرِ وَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَمْلَاكَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطَى لِأَجْلِهِ فَإِذَا سَرَقَ هَلْ يُعَدُّ كَالْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ.

وَأَمَّا الْفُرُوعُ الْمُخَرَّجَةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَلَهَا مَدَارِكُ غَيْرُ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ بِأَنْ يُلَاحِظَ فِي الثَّوْبِ لِلسُّتْرَةِ قُوَّةَ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ أَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ وَيُكَافِئُ عَنْهُ إنْ شَاءَ وَفِي الْمَاءِ يُوهَبُ لَهُ إمَّا يَسَارَتُهُ فَلَا مِنَّةَ وَإِمَّا الْمَالِيَّةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِلْمِنَّةِ وَهِيَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>