للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ صِفَةٍ تُضَافُ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَعَمَّ جَمِيعَ مِيَاهِ الْبَحْرِ وَمَيْتَاتِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُحْدَثَاتُ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفَاتِ تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: ١٢] إنَّهُ تَعَالَى نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْخَلَائِقِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ رُوحَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ جُمْلَتِهَا فَأَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ إلَى الْخَالِقِ فَإِذَا وَضَحَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَإِنْ أَبْقَيْنَاهَا عَلَى عُمُومِهَا شَمِلَتْ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ وَالْمَأْذُونَ فِيهِ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى عُمُومِهَا وَقُلْنَا بِالْعَهْدِ فَهُوَ فِي الْإِضَافَةِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْطُورٌ لِلنُّحَاةِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ هَاهُنَا إنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْحَالِفِ وَالْحَلِفِ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ خَاصَّةً فَيَقُومُ هَذَا التَّخْصِيصُ مَقَامَ الْعَهْدِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ مُلْزِمَةً لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَوْ الْمُحْدَثَ لَمْ تَجِبْ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: ١٨٠] وَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا وَلَا مَأْمُورًا بِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْعِزَّةَ الْحَادِثَةَ لِلْعِبَادِ يُمْكِنُ أَنْ تُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّرَدُّدَاتِ خَالَفْنَا جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ تَتَعَارَفْ النَّاسُ بِهَا لَمْ تَكُنْ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَاتُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا وَسَوَّوْا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَسَبَبُ اشْتِرَاطِهِمْ الشُّهْرَةَ أَنَّ الشُّهْرَةَ تُصَيِّرُ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ مَوْضُوعًا لِخُصُوصِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَبْلَ النَّقْلِ وَالشُّهْرَةِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَمِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا التَّرَدُّدَ أَنَّ النَّكِرَاتِ قِسْمَانِ مِنْهُمَا مَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَقَوْلِنَا مَاءٌ وَمَالٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فَيُقَالُ لِلْكَثِيرِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ مَاءٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَكَذَلِكَ الْقَلِيلُ وَمِنْ النَّكِرَاتِ مَا لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَعَبْدٌ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فَلَا يُقَالُ لِلرِّجَالِ الْكَثِيرَةِ رَجُلٌ وَلِلْعَبِيدِ عَبْدٌ وَلَا لِلْفِضَّةِ وَالدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ دِرْهَمٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيْسَمُ وَتَأْكُلُهَا النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ وَتَأْكُلُهَا الشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ وَتَأْكُلُهَا الظَّبْيَةُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ فَمَنْ الَّذِي جَعَلَهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَآمَنُوا عَلَى يَدِهِ وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ اهـ.

الْمُرَادُ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِلْمُمْكِنَاتِ وَلِلْعِبَادِ وَأَفْعَالِهِمْ جَمِيعًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ وَلَيْسَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ إلَّا مُجَرَّدُ الْمُقَارَنَةِ كَالْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ مَعَهَا لَا بِهَا وَلَيْسَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِآلَةٍ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ لِلْعَبْدِ آلَةٌ وَالْعَبْدُ آلَةٌ لِفِعْلِ الرَّبِّ ذَكَرَهُ فِي وَمَا رَمَيْت أَيْ إيجَابًا إذْ رَمَيْت كَسْبًا فَلَا تَنَاقُضَ وَمَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ تَعَالَى فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُنْسَبَ لَهُ إلَّا الْحَسَنُ بِإِشَارَةِ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩] وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ كَسْبًا بِدَلِيلِ الْأُخْرَى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ خَلْقًا وَانْظُرْ لِقَوْلِ الْخَضِرِ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩] مَعَ قَوْلِهِ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: ٨٢] .

(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) اسْتِحْقَاقُ الْعِبَادَةِ وَالْآلِهِيَّةِ وَعُمُومُ تَعَلُّقِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَبَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَالْفَانِيَاتِ وَسَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَخَبَرُهُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ (فَتَوْحِيدُهُ تَعَالَى) فِي هَذَا وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لَا مُشَارَكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ (وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) كُلُّ لَفْظٍ أُشْهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً كَلَفْظِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَفْظِ تَبَارَكَ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ قُلْت وَإِطْلَاقُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ:

عَلَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا

قَالَ الصَّبَّانُ فِي رِسَالَتِهِ الْبَيَانِيَّةِ أَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ تَفَنُّنِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>