للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ إنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فُتِحَتْ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا لِلْعُمُومِ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: ١٥] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٦] فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ فَهَذَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْخُصُوصِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ فَيَكُونُ مَجَازًا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَالَ الْقَائِلُ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَأَصْلُهَا فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ فَتَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا فَيَجْتَمِعُ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَهُوَ مُوجِبٌ وَالْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ تَرَتَّبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُوجِبِ وَوُجُودُ غَيْرِ الْمُوجِبِ لَا يَقْدَحُ وَلَا يُعَارِضُ الْمُوجِبَ كَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَجْلِ الْمُوجِبِ.

وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حِينَئِذٍ انْدَرَجَ فِي كَلَامِهِ مَا يُسَوِّغُ الْحَلِفَ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهِ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً وَهُوَ الْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَكُونُ يَمِينُهُ هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْعَهْدِ أَوْ قَرِينَةُ الْحَلِفِ تَصْرِفُهَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمُرَادُ مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَلْخِيصِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الصِّفَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَإِنْ أُضِيفَتْ وَقَالَ الْحَالِفُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْدَرَجَ فِي الْمُضَافِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ وَكَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا الْعُمُومُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) .

قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ عَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَمْ مُضَافًا لَيْسَ اشْتِمَالُهُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ فَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالْأَثَرُ مُتَأَثِّرٌ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ هَلْ رَكِبْت الْبَحْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْت أَهْوَالَهُ قَالَ نَعَمْ هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتْ السُّفُنَ وَأَغْرَقَتْ الْمَلَّاحِينَ فَتَعَلَّقْت بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْت إلَى السَّاحِلِ فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُك مَنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ وَاللَّوْحِ بِأَنَّهُ يُنْجِيَك فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْك هَلْ أَسْلَمْت نَفْسَك لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْت تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدَهُ قَالَ بَلْ رَجَوْت السَّلَامَةَ قَالَ مِمَّنْ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي تَرْجُوهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاك مِنْ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمْ لَك مِنْ آلَةٍ قَالَ عَشَرَةٌ قَالَ فَمَنْ نَعَّمَك وَكَرَّمَك وَرَفَعَ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ إذَا نَزَلَ بِك مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَك مِنْ إلَهٍ إلَّا اللَّهُ» .

وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِهِ إذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ أَجِيبُونِي عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالُوا لَهُ هَاتِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لَكُمْ إنِّي رَأَيْت سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْأَحْمَالِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ قَدْ احْتَوَشَتْهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَمْوَاجٌ مُتَلَاطِمَةٌ وَرِيَاحٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ مِنْ بَيْنِهَا تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ أَمْرَهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ قَالُوا لَا هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الْعَقْلُ سَفِينَةً تَجْرِي مِنْ غَيْرِ مَلَّاحٍ يُدِيرُهَا فِي جَرَيَانِهَا فَكَيْفَ يُجَوِّزُ قِيَامَ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسَعَةِ أَطْرَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَحَافِظٍ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا صَدَقْت وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا.

وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الدَّهْرِيَّةِ سَأَلَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الدَّلِيلُ عَلَى الصَّانِعِ فَقَالَ وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ أَيْ التُّوتِ طَعْمُهَا وَاحِدٌ وَلَوْنُهَا وَاحِدٌ وَرِيحُهَا وَاحِدٌ وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>