للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ لَهَا نَقْلًا عُرْفِيًّا وَيَكُونُ مَجَازًا رَابِحًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَلَى الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَمَتَى فُقِدَ النَّقْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ لِلنَّذْرِ أَوْ الْحَلِفِ بِالصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ وَاسْتِعْمَالُ عَلَيَّ مَجَازٌ وَمَتَى فُقِدَ الْعُرْفُ وَالنِّيَّةُ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَجِبَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ وَعَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ وَبَصَرُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَنَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.

(الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا أَوْ جَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فِي لَفْظِ عَلَيَّ بَلْ يَبْقَى لَفْظُ عَلَيَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ.

قَالَ (أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ) قُلْت بَنَى كَلَامَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ثُمَّ إنَّهُ هُنَا بَنَى عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِذَا كَانَ يَمِينًا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَمَا الْمُحْوِجُ إلَى النَّقْلِ فِيهِ وَادِّعَاءِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ فِيهِ هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا خَفَاءَ بِسُقُوطِهِ قَالَ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَلَا نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزُّ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً وَمُحْدَثَةً) قُلْت هَذَا لَفْظٌ مُسْتَنْكَرٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ اتِّصَافَهُ بِالْحَوَادِثِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّفَاتِ الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ قَبِيحٌ قَالَ (فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مُصَنَّعَاتِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أُقْسِمُ عَلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَأَنْ لَا يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَخَالَفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاسْتَدَلَّ بِمَا يَدُلُّ لَهُ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ لِجَوَازِ التَّوَسُّلِ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ غَيْرُ الْإِقْسَامِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ اهـ.

كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ وَتَبِعَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ بِجَوَازِ الْإِقْسَامِ بِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَلَّامَةَ ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ فُقَهَاءِ الْأَحْنَافِ مِنْ تَحْرِيمِ قَوْلِ الدَّاعِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَبِحَقِّ فُلَانٍ اهـ. فَمَحْمُولٌ إمَّا عَلَى مُلَاحَظَةِ الدَّاعِي الْإِقْسَامَ أَوْ قَصْدِهِ الْحَقَّ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ أَمَّا إذَا لَاحَظَ بِهِ التَّوَسُّلَ أَوْ قَصْدَ الْحَقِّ بِمَعْنَى الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ تَعَالَى أَوْ الْحَقَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْخَلْقِ وَعَلَيْهِ بِفَضْلِهِ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ.

وَمَا رَوَاهُ زَرُّوقٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ التَّوَسُّلِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّوَسُّلِ عَلَى الْإِقْسَامِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَعَارَضَهُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ جَعْفَرٌ الْمَنْصُورُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ حِينَ الدُّعَاءِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ قَالَ لَهُ وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ قَبْلَك بَلْ اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٦٤] الْآيَةَ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ جَاءَتْ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَرَوَاهَا ابْنُ فَهْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا وَضَّاعٌ وَلَا كَذَّابٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ عُضِّدَتْ بِجَرَيَانِ الْعَمَلِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ الَّتِي يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِظَاهِرِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَلْ مِمَّا يُعَيِّنُ حَمْلَ رِوَايَةِ زَرُّوقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>