للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَهُوَ الْإِلَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَتَوَحُّدُهُ وَلَا ثَانِيَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ وَأَقَالِيمُهُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَطْوَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَتْ بِهِ الْعَظَمَةُ فِي دَوْلَتِهِ كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا حَصَلَ التَّوَاضُعُ لَهَا وَهُوَ الْعِبَادَةُ امْتَنَعَ وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِانْقِيَادُ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ فَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ مَقْهُورٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَالتَّوَاضُعُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا سَائِغٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

(وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْعَظَمَةَ لَيْسَتْ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَلْ هِيَ مَجْمُوعُ الصِّفَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِ هُوَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ الْعَظَمَةُ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَلَيْسَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ بَلْ الْمَعْبُودُ الْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَا الصِّفَاتُ وَلَا مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ مُضَاهٍ لِقَوْلِ النَّصَارَى فِي الْأَقَالِيمِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ مَبَاحِثَ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ.

قَالَ (كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ إلَى قَوْلِهِ فِي دَوْلَتِهِ) قُلْت لَا يُسَوَّغُ مِثْلُ هَذَا التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَلِكَ مُفْتَقِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ.

قَالَ (كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ غَثٌّ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ بِهَذَا الْعِلْمِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْعَظَمَةُ مَجْمُوعُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالذَّاتُ عَلَى هَذَا مُوجِبَةٌ لِلذَّاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا وَمُوجَبًا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ.

قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قُلْت بَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّاتَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَظَمَةِ قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) قُلْت مَا حَكَمَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ هُوَ كَمَا قَالَ.

قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ إذْ ذَاكَ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ أَسْمَاءَ مِنْهَا كَيْفَ وَمَدْلُولُهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُصْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْقِدَمِ هُنَا عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ بَلْ مَعْنَاهُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ قَبْلَ الْخَلْقِ أَيْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهَا لِنَفْسِهِ قَبْلَ إيجَادِنَا ثُمَّ أَلْهَمَهَا لِلنُّورِ الْمُحَمَّدِيِّ ثُمَّ لِلْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَافْهَمْ وَكَالْوُجُودِ وَنَحْوِ الْقُدْرَةِ وَالِاقْتِدَارِ أَيْ الْكَوْنِ قَادِرًا وَالْقِدَمُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى النَّفِيسَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِهِ أَصْلًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ.

وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْمَرَّةِ نَحْوُ وَالْحَيَوَانِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ مَعْنًى قَدِيمًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ إنْ نَوَى بِأَيِّ لَفْظٍ لَزِمَ نَعَمْ إنْ جَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَرَبِّ الْحَيَوَانِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالْأَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ اهـ بِلَفْظِهِ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَلِفُ بِذَاتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ لِلْمَعْنَى الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فَافْهَمْ وَهَذَا الْقِسْمُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ تِسْعَةٌ (اللَّفْظُ الْأَوَّلُ) أَمَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: ٧٢] إلَى قَوْلِهِ ظَلُومًا جَهُولًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ التَّكَالِيفَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَقَالَ لَهُنَّ إنْ حَمَلْتُنَّ التَّكَالِيفَ وَأَطَعْتُنَّ فَلَكُنَّ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ عَصَيْتُنَّ فَلَكُنَّ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ فَقُلْنَ لَا نَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ فَلَا جَرَمَ هَلَكَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَادِثِ وَهُوَ فِعْلُنَا فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>