عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْدُودِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَعْنِي الْعَبِيدَ فَعَبَّرَ بِجِنْسِ الْعَبِيدِ عَنْ جِنْسِ الدَّوَابِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ عَنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ فَهُوَ عَلَى بَابِهِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ أَفَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا.
وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي لَفْظِ الْمَعْدُودِ فَقَطْ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا اسْمُ الْعَدَدِ فَبَاقٍ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ وَانْتَقَلَ انْتَقَلَ الْعَدَدُ مَعَهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِمَفْهُومِ الثَّلَاثِ فَدَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اسْمُ جِنْسٍ دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْمُ عَدَدٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ غَيْرَ أَنَّ مَعْدُودَهُ تَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَا تَلْزَمُنِي كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَجَازِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ عِنْدَهُمْ وَالِاحْتِمَالِ وَقَدْ حَكَيْته فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَحْنُ نُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَمَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَجْمُوعَةً كَعَلَيَّ عُهُودُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ كَفَالَاتُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ مَوَاثِيقُ اللَّهِ مَا جَرَى فِيهَا مُفْرَدَةً.
(اللَّفْظُ السَّابِعُ) قَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا الصَّرَائِحِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادِهِ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِحَقِّ اللَّهِ أَيْ اسْتِحْقَاقِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْحُقُوقُ الَّتِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.
وَفِي كنون عَلَى عبق وَحَقِّ اللَّهِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْقَابِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ فِي جَوَابٍ لِلْوَنْشَرِيسِيِّ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ أَيْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يُخَالِفُوهُ وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ فَيَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ.
(اللَّفْظُ الثَّامِنُ) ايْمُنُ اللَّهِ بِلُغَاتِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ (:
هَمْزَ أَيْمُ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأُمْ قُلْ أَوْ قُلْ ... أَوْ مُنُ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا
وَأَيْمَنُ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهُ كُلًّا أَضِفْ ... إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تُسَوَّفْ مَا نُقِلَا)
وَايَمَنُ الْأَخِيرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَا نَصُّهُ أَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا يَمِينٌ لِأَنَّ اَيْمُ اللَّهِ أَوْ ايْمُنُ اللَّهِ أَوْ مُنُ اللَّهِ كُلَّهَا جَاءَتْ لِلْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ فَمِنْ النُّحَاةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَيْمُنُ جَمْعُ يَمِينٍ ثُمَّ حَذَفُوا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْحَذْفِ لِأَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَقَالُوا اَيْمُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالُوا يَمِينُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي