بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةُ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةَ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَن فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْإِعْدَادِ لُغَوِيٌّ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ فَهِيَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وُضِعَ لِجِنْسٍ مِنْ الْجَمَادِ أَوْ النَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ جِنْسٍ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: ٥٣] أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: ٨٠] قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سَبْعُونَ زِرَاعًا أَيْ طَوِيلَةً جِدًّا وَخُصُوصُ السَّبْعِينَ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَهُمْ اسْمُ الْعَدَدِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤] .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكَرَّتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي لَفْظِ كَرَّتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَاسْمُ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ اثْنَانِ لَكِنَّ كَرَّتَيْنِ فِي مَعْنَاهَا وَيَقُولُ أَهْلُ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَكَذَلِكَ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي بَعْضِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَتْهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
إذَا حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ لَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي قَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَأَرَدْت بِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَبِيدِ مَجَازًا فِي الدَّوَابِّ وَالْعَلَاقَةُ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِتْقِ مَجَازٌ فِي الْبَيْعِ وَالْعَلَاقَةُ بُطْلَانِ الْمِلْك فَهَذَا تُفِيدُهُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْمَجَازُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَسَمِ إمَّا عُرْفٌ زَمَانِيٌّ وَحِينَئِذٍ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَإِمَّا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيثَاقَ لُغَةً الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّ الْعَهْدَ لُغَةً الِالْتِزَامُ فَمِيثَاقُ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِهِ تَعَالَى الْمُقَوَّى بِالْقَسَمِ فَيَصْدُقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَهُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ الْأَتِيَّةِ وَبَيْنَ الْحَادِثَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: ٧] وقَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: ٩] {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠] مِنْ الِالْتِزَامَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْحَلِفِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلُهُ وَرَبِّي وَالثَّانِي الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلِهِ السَّابِقِ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] إلَى قَوْلِهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ الْتِزَامًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مِنْ دَسَّا لَهَا أَيْ دَسَّسَهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً
(وَثَانِيهِمَا) مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِأَنَّ مِنْ أَمْرِهِ لَنَا تُلْتَزَمُ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] كَمَا مَرَّ فَلَفْظُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ دَائِرٌ بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهَا وَهُمَا الْمِيثَاقَانِ الْحَادِثَانِ أَعْنِي اللَّفْظِيَّ وَالْمَشْرُوعَ فِي حَقِّنَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا وَالدَّائِرُ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ