للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَالًا عَلَى خُصُوصِ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا لَا يَكُونُ دَالًا عَلَيْهِ لُغَةً لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ نَاقِلٍ وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ اللَّفْظِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينُ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةُ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ " فَائِدَةٌ " الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ هِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا، فَالنُّصُوصُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ قِسْمَانِ أَسْمَاءٌ لِلْأَعْدَادِ نَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرَهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَصْنَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا آخَرَ لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ وَهَذَا هُوَ التَّثْنِيَةُ فَتُكَرَّرُ مَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ ثُمَّ الْأُلُوفُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادُ وَهِيَ آحَادٌ وَعَشَرَاتٌ وَمِئَاتٌ وَأُلُوفٌ وَتُكَرَّرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَهَذِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةُ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَشَرَةً ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَك بِهَا وَتَقُولَ أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك نِصْفَهُمْ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَهَذَا تَخْصِيصٌ وَقَدْ بَقِيَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ الْإِخْوَةِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك مَسَاكِنَهُمْ أَوْ دَوَابَّهُمْ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ وَلَا الدَّوَابُّ بَعْضُ الْإِخْوَةِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا فَالْأَعْدَادُ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ.

وَلَا التَّخْصِيصُ فَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إذْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ اهـ.

غَايَتُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَةِ مَجَازًا لَا تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ إلَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ الزَّمَانِيُّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ نَعَمْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَانِنَا فَحِينَئِذٍ لَا تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ضَرُورَةً تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَرَى جَرَيَانَ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَحِينَئِذٍ تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَلَيَّ ضَمَانُ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْقَسَمِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ النَّقْلُ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ مَجَازًا أَوْ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا ذُكِرَ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي احْتِمَالِ الْكَفَالَةِ الْحَادِثَةِ وَكَوْنِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ اهـ.

وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَيْ الْتِزَامِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْتِزَامِهِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الثَّوَابِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ.

وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَضَمَانِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِضَمَانِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ فِي سَائِرِ الْمُتَرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ.

(اللَّفْظُ السَّادِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَنِثَ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَلَا يُتَّجَهُ إلَّا إذَا جَرَى بِنَقْلِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ الْمُؤَكَّدِ إلَى إنْشَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>