للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِنَايَةُ مَنْقُولَةً فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ صَارَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ أَيَّاهَا لِلطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.

وَهَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا فَيَنْفِي النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَأَمَّا مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَشْتَهِرُ الْحَلِفُ بِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدَهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلَعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعَمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيِّ يَجُوزُ الْحَلِفُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الِاسْمَ هَا هُنَا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُسَمَّى اسْتَقَامَ الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُسَمَّى فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمًّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ " اسْمٍ " الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظُ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ الِاسْمِ خَاصَّةً وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا وَقُلْنَا الِاسْمُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مُسَمَّاهُ لَفْظٌ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ فَإِنَّ إضَافَةَ الْمُحْدَثِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تُصَيِّرُهُ مِمَّا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ إذَا أُضِيفَ الِاسْمُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إضَافَةُ لَفْظٍ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً.

وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يَكُونُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالْكَفِيلُ حَافِظٌ لِمَا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَالِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ لِلرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ اهـ.

أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذًا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ خَبَرٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ وَعْدُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ وَهِيَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا وَعْدُهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ الْحَادِثِ الْمُنَزَّلِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالِّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكِفَايَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيِّ الَّذِي هُوَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَثَانِيهِمَا الَّتِي نَدَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِخَلْقِهِ مِنْ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ لِعِبَادِهِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ نَوَى خُصُوصَ الْقَدِيمِ لَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>