للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يَرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ إذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذَا الْمَثَلِ مَا أَشْبَهَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهِ كَفَّارَةً فَتَنْزِلُ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ مِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْعَالِمِ فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ التَّرَدُّدَ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِمَعْنًى يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَوَجْهُ التَّرَدُّدِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَاضِحٌ وَأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الْمُتَوَاطِئُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَفَى بِهَذَا فِي بَيَانِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ.

وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَيَنْقُلُ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا قُلْنَا فِي لَفْظِ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ قَوْلَنَا: وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَالِفِ إلَى خُصُوصِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمَنْقُولَةِ فَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَإِذَا صَارَتْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ لَوْلَا ثُبُوتُ نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ نَحْوِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ عُرْفًا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لَيْسَتْ قَسَمًا وَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِقَسَمٍ إجْمَاعًا وَالْحَمْلُ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الصِّيغَةِ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ إلْزَامُ الْكَفَّارَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ هَذَا يَمِينٌ أَلْبَتَّةَ اهـ.

(اللَّفْظُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ ضَمَانَةُ اللَّهِ أَوْ حَمَالَةُ اللَّهِ أَوْ أَذَانَةُ اللَّهِ أَوْ زَعَامَةُ اللَّهِ أَوْ قَبَالَةُ اللَّهِ أَوْ صَبْرُ اللَّهِ أَوْ عَذَارَةُ اللَّهِ أَوْ كَدَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ التِّسْعَةُ مُتَرَادِفَةٌ لُغَةً عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى الضَّمَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ يُقَالُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقِبَلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: ١٦٧] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْأَذَانِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالْكَفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: ١٨] اهـ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَبَالَةِ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: ٩٢] أَيْ ضَامِنًا وَقَالَ تَعَالَى فِي الزَّعَامَةِ حِكَايَةً عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>