للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الْإِلَهُ الْمَعْبُودِ وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْم مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَوْ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ، أَوْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، أَوْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِ الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةً فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ثُمَّ هِيَ تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَبِحَسَبِ مَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ، وَمَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَّامَةٍ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَّامَةُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا أَلْبَتَّةَ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خَلْقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] وَالْمُحَسِّنُ لِذَلِكَ الْمُقَابَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ - قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ٥٤ - ١٤] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمَكْرَيْنِ والاستهزاءين نِ فَكَانَ ذَلِكَ حَسَنًا لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ فَيُقْتَصَرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَوَارِدِ السَّمْعِ وَلَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ فَلَا نَقُولُ اللَّهُمَّ اُمْكُرْ بِفُلَانٍ وَلَا مَكَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا اللَّهُمَّ اسْتَهْزِئْ بِفُلَانٍ وَلَا اسْتَهْزَأَ اللَّهُ بِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذَا الْبَابِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِجْمَاعُ

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَادَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْمِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَمُدْرَكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحَظُ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ نَظَرًا لِكَوْنِهِ وَشَبَهُهُ أَيْ كَعَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ إرَادَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ بَصَرُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ إنْشَاءٌ لِلْقَسَمِ عُرْفًا اهـ.

قَالَ الْأَصْلُ وَكَذَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ بِوَاوِ الْقَسَمِ بَلْ هَذَا وَإِنْ شَارَكَ قَوْلَهُ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فِي عَدَمِ دَلَالَةِ ذِمَّةِ اللَّهِ فِيهِمَا عَلَى خُصُوصِ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ بَلْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالذِّمَّةِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الذِّمَّةَ لُغَةً الِالْتِزَامُ.

وَالِالْتِزَامُ إمَّا قَدِيمٌ وَهُوَ إخْبَارُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ بِحِفْظِ عَبْدِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الَّذِي عَنَاهُ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حِفْظَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ فَإِنَّ الْتِزَامَ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِعٌ إلَى خَبَرِهِ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ نَوْعِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْعَهْدَ يَرْجِعُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَمَا عَلِمْت وَإِمَّا حَادِثٌ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ لِلْكُفَّارِ أَيْ الْتِزَامِنَا لَهُمْ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَمَا مَعَهَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ وُجُوبًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَكَالْتِزَامِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا وَكَالْتِزَامِ الْإِنْسَانِ الْأَثْمَانَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَاتِ مِمَّا يَرْجِعُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ فِيهِ وَلَا نَدْبٍ وَمِنْهُ الذِّمَامُ إذَا وَعَدَهُ وَالْتَزَمَ لَهُ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ يَقْصِدَهُ بِسُوءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دِينَارٌ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَفَ بَعْدَ الرُّشْدِ بِالسَّفَهِ يُقَالُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَذَهَبَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ لَمْ يَبْقَ مُقَدَّرًا أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ.

وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا بِسَبَبِ أَدَاةِ الْقَسَمِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ أَصْرَحُ عِنْدِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ الَّذِي رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>