عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ إمَّا بِمَالِهِ أَوْ بِجَاهِهِ أَوْ بِسَطْوَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِزَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُ لُغَةً فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعُمُومُ فِيهِ فَاحْتُمِلَ الْمُحْدَثُ فَإِنَّ الْعِزَّةَ تَصْدُقُ بِالْمُحْدَثِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَزِيزَ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ نَيْلِ الْمَكَارِهِ وَالْعَزِيزُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي تَفْسِيرِ اسْمِهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مُبْتَدَعَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
فَإِنْ كَانَتْ الْعِزَّةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ كَانَ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذِهِ الْإِشَارَةُ، نَقَلَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ تُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ الْعَظَمَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْعِزَّةِ فَرْقًا فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا عَزَّ عِزًّا فَمَشْهُورٌ وَلَا يُنْطَقُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ إلَّا إذَا قُصِدَتْ الْوَحْدَةُ نَحْوُ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ عِزَّةً لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عِزَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا أُضِيفَ لَا يَكُونُ الْمُضَافُ عَامًّا بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ اللَّامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ لَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ اللَّامُ التَّعْرِيفَ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا اعْتِبَارًا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ فَهَذَا بَحْثٌ يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ)
اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ إمَّا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَهُوَ عَلَمٌ عَلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ فَإِذَا قُلْنَا اللَّهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْنَا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إضَافَةَ مَخْلُوقٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِي اسْمٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا بِعُرْفٍ أَوْ نِيَّةٍ
فَإِنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عُرْفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خُصُوصِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَهُوَ إلْزَامُهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكْلِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَبَيْنَ الْعَهْدِ الْحَادِثِ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: ١٧٧] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوهُ وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٤] وَنَحْوُهُ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ كَالْعُهْدَةِ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوْرِدِ الِاسْتِعْمَالِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ عِنْدِي قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ بَلْ هَذَا عِنْدِي بِسَبَبِ حَرْفِ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ اهـ.
أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَصَّ مَالِكٌ عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ نَظَرًا لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِعَهْدِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ مَا عَاهَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مِنْ تَطْهِيرِ الْبَيْتِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى أُعَاهِدُك اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ اهـ.
(اللَّفْظُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ