الْكُلِّ وَلَفْظِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَلَفْظِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ وَلَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ وَلَفْظِ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ السَّبْعَةُ هِيَ تَفْصِيلُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ مُسْتَوْعَبَةً بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا مَوْطِنٌ آخَرُ لِلنِّيَّةِ أَلْبَتَّةَ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ)
وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ سَبَبٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَسَبَبِيَّتَهُ وَهَا هُنَا قَدْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ حُكْمَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ عَلَى وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى حُصُولِهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَيْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا، وَالْقَصْدُ إلَى السَّرِقَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ السَّرِقَةِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ بَلْ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقُمْ النِّيَّةُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِلِّ الْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ رَفْعُ الْيَمِينِ فَهَذَا وَجْهُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِهَا)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَأْثِيرَ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ رَفْعُ الْيَمِينِ أَوْ حِلُّهَا فَهُوَ أَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ الَّذِي لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ دُونَ الْقَصْدِ فَقَطْ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَلْيُنْظَرْ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا يَنْبَنِي التَّحْقِيقُ فِيهَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ اسْتِثْنَاءِ الْمَشِيئَةِ لَفْظًا اسْتَوَى الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الْخَلْقِ وَفِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ إرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ وَفِي الثَّانِي أَيْ لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ الْعِقَابَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا.
وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ وَهَذِهِ الرِّقَّةُ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ ذَلِكَ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَرْجَحُ مِنْ مَجَازِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ مَدْلُولِهَا قَدِيمًا وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا لِأَنَّ مَدْلُولَهَا مُحْدَثٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ الْحَالِفُ الْمَذْهَبَ الْمَاتُرِيدِيَّ أَوْ مَصْدَرَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي صِفَةِ الْفَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ. وَإِذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ هَلْ هُمَا قَائِمَانِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِرَادَةِ
وَهِيَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلِيَّةٌ وَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ ضَرُورَةً أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ وَكَذَا الْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً