للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يَخْرُجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا فَمَعْنَى الطُّفُولِيَّةِ مُضَافَةٌ لِكُلِّ بَشَرٍ مِنَّا فَيَحْصُلُ الْعُمُومُ فِي الْأَطْفَالِ كَمَا أَنَّا نَحْنُ غَيْرُ مُتَنَاهِينَ وَتَوْزِيعُ الْحَقِيقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الطُّفُولِيَّةِ عَلَى مَا لَا يَتَنَاهَى يُوجِبُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا أَفْرَادٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ فَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِحُصُولِ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ حَنِثَ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِأَيِّ فَرْدٍ حَنِثَ فِيهِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ النَّفْيِ اللَّفْظُ فِيهِ عَامٌّ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ وَتَأْثِيرُ النِّيَّةِ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَاصَّةً.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)

تَعْيِينُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْفَرْدِ لِلْيَمِينِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى عَيْنٍ وَيُرِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ مُسَمَّيَاتِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ مَثَلًا دُونَ عَيْنِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَاصِرَةِ بِسَبَبِ تَعْيِينِهَا بِالنِّيَّةِ فَهَذَا قِسْمٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دُونَ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَفِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَيْسَ كَذَلِكَ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)

تُصْرَفُ النِّيَّةُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَتَرْكِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَسَدًا وَيُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِضَرْبِ رَجُلٍ شُجَاعٍ وَلَوْ ضَرَبَ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ مَا بَرَّ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَلَفْظِ الْجُزْءِ فِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يُخْرِجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ) قُلْت لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الْآحَادِ الْمُمْكِنَةِ وَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ إذْ لَوْ قَالَ وَنُخْرِجُكُمْ جَمِيعَ الْأَطْفَالِ الْمُمْكِنَةِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُتَّصِلِ بِنُخْرِجُ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْمَخْرَجَيْنِ لَا فِي كُلِّ مُمْكِنٍ ثُمَّ جَاءَ لَفْظُ طِفْلٍ مُبَيِّنًا لِلْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ الْإِخْرَاجُ فِيهَا وَهِيَ حَالَةُ الطُّفُولِيَّةِ إمَّا عَلَى تَقْدِيرِ وَنُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِأَنَّ وَنُخْرِجُكُمْ فِي مَعْنَاهُ وَإِمَّا عَلَى أَنَّ طِفْلًا اسْمُ جِنْسٍ فَنَابَ مَنَابَ اسْمِ الْجَمْعِ كَنَاسٍ وَنَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ إلَّا عِبَارَتُهُ بِفَرْدٍ عَنْ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ الْأَوْلَى كَانَ أَنْ يَقُولَ تَعَيُّنُ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْفَرْدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْغَالِبِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ الشَّخْصِيُّ لَا الْوَاحِدُ النَّوْعِيُّ

وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَدِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَلَفْظُ حَاشَا اللَّهِ كَلَفْظِ مَعَادَ اللَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ كَانَ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الشَّاطِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ مَتَى عُنِيَ بِالْأُمُورِ الْمُضَافَةِ أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ إلَخْ فَمِنْ هُنَا نَظَرَ ابْنُ الشَّاطِّ هُنَا فِي قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ نِيَّةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ فِيهِمَا مِنْ نِيَّةٍ أُخْرَى لِلْقَسَمِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عُرْفٍ يَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهَا إنْ نُصِبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ وَإِنْ رُفِعَ فَعَلَى تَقْدِيرِ مَعَادَ اللَّهِ أَوْ حَاشَا اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ خُفِضَ فَعَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ الْجَارِّ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ.

مُلَخَّصًا قُلْت وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ وَجَمِيعَ حُرُوفِهِ وَلَفْظِهِ بِأَيِّ صِيغَةٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِذَلِكَ " الْزَمْ " لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الِالْتِزَامِ وَالْتِزَامُ الْقَدِيمِ الْتِزَامٌ لِلْيَمِينِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةً لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَمَقْتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وَبُغْضِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَرَأْفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قِيلَ إنَّ حَقَائِقَهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>