للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمِثَالِ فَذَلِكَ الْمَنْعُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا فَإِنَّا نَشْتَرِطُ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ فَهَذَا بَحْثٌ خَاصٌّ بِالِاسْتِعَارَةِ الَّتِي هِيَ مَجَازُ تَشْبِيهٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَهَذَا الشَّرْطُ فِيهَا سَاقِطٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا حَرُمَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ الْمَائِعِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ اللَّحْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعٍ خَاصٍّ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ بَلْ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ التَّجَوُّزَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)

دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتَك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: ٥] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِكَ فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ)

قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَخَاك مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتْ الْمَعْرِفَةُ مُطْلَقَةً فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فَإِنَّ اصْطِلَاحَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ الْكُلِّيُّ وَقَدْ يَكُونُ نَكِرَةً كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَمَعْرِفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِمْ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ (:

أَخَاك أَخَاك إنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ ... كَسَاعٍ إلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ)

فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَخًا مُعَيَّنًا وَلَا أَخًا وَاحِدًا مُبْهَمًا وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ عَلَى الْجُمْلَةِ.

قَالَ (وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: ٥] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْكُلِّيُّ لَيْسَ فَرْدًا وَاحِدًا عِنْدَ مُثْبَتِيهِ وَإِنَّمَا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَشْهَرُ نَوْعَيْ النَّكِرَةِ وَأَكْثَرُهُمَا اسْتِعْمَالًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ

أَحَدُهُمَا يُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَكْرِمْ رَجُلًا

وَثَانِيهِمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْجِنْسُ لَا فَرْدٌ مِنْهُ مُبْهَمٌ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْ امْرَأَةٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَا هُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ الْأُمُورُ الْمُضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا مِثْلُ قَبْلِيَّةِ اللَّهِ وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّتِهِ مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ اهـ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ إلَخْ فَلَا تَغْفُلْ.

(وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْأَصْلُ فَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ اهـ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ أَمَّا إنْ لُوحِظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ أُرِيدَ مَصْدَرُهَا وَمَنْشَؤُهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْحِنْثِ فَلَا تَغْفُلْ وَهَا هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِمَعَادِ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ هُوَ هُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ لِلْعِبَادِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ فَلِذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ. اهـ قَالَ الْأَصْلُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ. اهـ.

أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِمَعَادَ اللَّهِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ تَعَالَى مَجَازًا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعَادًا اسْمُ مَكَان مِنْ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: ١٢٣] فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فَلَفْظُ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْمَجَازِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُهُ تَعَالَى وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْحَقِيقِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ لِحَقِيقَتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ وَبِأَنْ يُرِيدَ بِحَاشَا اللَّهِ الْكَلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>