للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْبَابٌ عَظِيمَةٌ فَإِذَا أُبِيحَ دَمُهُ بِالرِّدَّةِ حُرِّمَ بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ وَفِي الزِّنَى بِالتَّوْبَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْمِهِ وَلَوْ تَابَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ وَالتَّوْبَةُ أَيْسَرُ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ وَأَقَلُّ تَحْتِيمًا عَلَى الْعَبْدِ

وَثَالِثُهَا الْأَجْنَبِيَّةُ لَا يَزُولُ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا إلَّا بِالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إذْنِهَا وَوَلِيِّهَا وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ، وَإِبَاحَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكْفِي فِيهَا الطَّلَاقُ فَتَرْتَفِعُ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

وَرَابِعُهَا الْحَرْبِيُّ مُبَاحُ الدَّمِ تَزُولُ إبَاحَتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ سَبَبٌ لَطِيفٌ وَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِالتَّأْمِينِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يُزِيلُ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ خُرُوجٍ عَلَيْنَا أَوْ قَصْدٍ لِقَتْلِنَا حِرَابَةً وَخُرُوجِنَا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ فَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا يُبَاحُ دَمُهُ بِكُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَةٍ قَوِيَّةٍ كَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ مُجَاهَرَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمُنَاقَشَةٍ عَظِيمَةٍ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْفَرْقُ وَاقِعٌ فِيهَا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ رَامَ الْأَصْحَابُ تَخْرِيجَ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الْحِنْثَ خُرُوجٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْسَرُ سَبَبٍ فَيَحْنَثُ بِجُزْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ لُبَابَهُ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ وَإِبَاحَةٍ حَتَّى يَحْنَثَ وَلَا يَبْرَأُ إذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ وَهَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ إنْ ادَّعَوْا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلِّيَّةً فِي الشَّرِيعَةِ مَنَعْنَاهَا لِانْدِرَاجِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِيهَا فَلِلْخَصْمِ مَنْعُهَا وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ صُورَةٌ قَلِيلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَضَمُّوا إلَيْهَا أَمْثَالَهَا فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمُثُلِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهَا لَوْ انْتَهَتْ إلَى الْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَكَمْ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا: كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ كُلِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ وَتِلْكَ الْأَعْدَادُ الَّتِي هِيَ زَوْجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ لَا صَادِقَةٌ.

وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُوجِبُ كَوْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ فَأَيْنَ الْجَامِعُ الْمُنَاسِبُ لِخُصُوصِ الْحُكْمِ السَّالِمِ عَنْ الْفَوَارِقِ أَوْ الدَّلِيلُ غَيْرُ الْقِيَاسِ فَأَيْنَ هُوَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَإِلَّا فَلَا اهـ.

قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ، مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

لَا يَقْتَضِي قَوْلُ مَالِكٍ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُهَا إذَا قَالَ هَا هُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ ذَلِكَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ لِطَاعَتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ يَمِينًا وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ عَلَيَّ فِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ لَهُ إلَى الْقَسَمِ وَجَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ حُرُوفِهِ كَالْبَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

(وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْهَا) أَعْنِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَامِعَةَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً وَتَنْدَرِجُ فِي الثَّانِيَةِ جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ وَعَظُمَ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَنْدَرِجُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَالثُّبُوتِيَّةِ نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لَهَا وَهُوَ مَا عَدَا الْفِعْلِيَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : هَلْ يَجُوزُ قَوْلُ قَائِلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>