وَالنَّهْيِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَهُوَ كَالْأَمْرِ أَوْ لَا يَفْعَلُ فَهُوَ كَالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ حَانِثًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا هَذَا الْمُخَرِّجُ مُنْعَكِسَةٌ بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ إيجَابٌ لِكُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ أَجْزَائِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الْأَرْبَعِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ نَهْيٌ عَنْ كُلِّ خِنْزِيرِ الْخِنْزِيرُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَجَمِيعُ جُزَيْئَاتِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزَيْئَاتِهَا فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَالنَّهْيِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَحْصِيلُهُ إلَّا بِتَحْصِيلِ أَجْزَائِهِ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَفْوِيتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَفْوِيتُهُ إلَّا بِتَفْوِيتِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الشَّيْءِ لَا تَكُونُ أَجْزَاءً لَهُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ اجْتِمَاعِهَا وَأَمَّا قَبْلَ اجْتِمَاعِهَا فَلَيْسَتْ بِأَجْزَاءٍ لَهُ حَقِيقَةً بَلْ بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ أَجْزَاءً لَهُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَكَثِيرًا مَا يَجْرِي هَذَا الْوَهْمُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَزَالُ جُزْءًا لَهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ بِالْجُزْءِ الْآخَرِ وَفِي حَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَا يَشْعُرُ أَنَّ الْجُزْءَ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ بِالْآخِرِ لَيْسَ عَيْنَ الْجُزْءِ فِي حَالِ الِانْفِصَالِ مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ الزَّاجُّ وَحْدَهُ مَثَلًا قَالَ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَإِذَا حَضَرَ مَعَ الْعَفْصِ وَقَدْ امْتَزَجَا قَالَ هَذَا الزَّاجُّ الْمُمْتَزِجُ بِالْعَفْصِ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَيُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَخَيَّلَ فَإِنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هَذَا الزَّاجُّ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ أَيْ يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْمِدَادِ إذَا مُزِجَ بِالْعَفْصِ وَمَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ فِي الْحَالِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ بِالِانْفِصَالِ عَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالِاتِّصَالِ وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقَيْنَاهُ يَقُولُ اخْتَلَطَ مَا بِالْقُوَّةِ مَعَ مَا بِالْفِعْلِ وَمَا مَثَّلَ بِهِ شِهَابُ الدَّيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْأَرْبَعِ وَهْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُتَّصِلَةَ بِخَامِسَةٍ هِيَ عَيْنُ الْأَرْبَعِ غَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ بِخَامِسَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَسَبَقَ الرَّدُّ عَلَيْهِ.
قَالَ (نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ إلَى قَوْلِهِ وَجَمِيعُ جُزْئِيَّاتِ الْخِنْزِيرِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزْئِيَّاتِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَمْرٌ بِجُزْئِيَّاتِهَا لَكِنَّهُ بِمَا لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ لِتَعَذُّرِهِ فَإِنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ بِمَا هِيَ كُلِّيَّةٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَإِدْخَالُ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتهَا الْمُمْكِنَةِ فِي الْوُجُودِ حَتَّى لَا يَشِذَّ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ أَيْضًا
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ أَمْ لَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعِ التَّصَاغُرِ وَالتَّضَاؤُلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحَقِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَتَكُونُ صِفَاتُ الْمَعَانِي لَيْسَتْ غَيْرًا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ بِهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءِ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ اهـ فَقَدْ حُمِلَ التَّوَاضُعُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَجَازًا لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَجَعَلَ اللَّامَ لِلْأَجْلِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ فَاسْتَقَامَتْ الْعِبَادَةُ وَانْدَفَعَ عَنْهَا كُلُّ إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا بَلْ وَفِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَأَمَّا اتِّحَادُهَا فَلِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا الْجَوَازُ وَعَدَمُ النَّهْيِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْدِرَاجَ حَادِثٍ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْيَمِينِ بِذَلِكَ مَحْذُورٌ فَيَحِقُّ لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَمَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute