مَفْسَدَةُ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَكَرَّرُ وَهُوَ تَعَذُّرُ الصِّدْقِ فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ خَبَرًا عَنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَبَ خَبَرُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الدَّهْرِ وَتَضِيعُ بَقِيَّةِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الثُّبُوتُ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى فِطْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي جِهَةِ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّفْيِ فَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ الثُّبُوتِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَنْفَعُهُ بَقِيَّةُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَاحِدٍ تَقَعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَبَيْنَ ثُبُوتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بَيْنَ سَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْوِيَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الثُّبُوتِ وَالسَّلْبِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهِمَا.
وَالِاكْتِفَاءُ بِفَرْدٍ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ وَيَكُونُ الثَّانِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ تَسْوِيَةً بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّقِيضِ الْمُكَذِّبِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ بِفَرْدٍ زَادَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا كَانَ الْكَلَامُ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَالنَّهْيُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ اجْتَنَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَى الْمِائَةِ ثُمَّ إنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَالثُّبُوتِ وَتَتَكَرَّرُ الْمَثُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الِاجْتِنَابِ وَالْعُقُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ اجْتِنَابُ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَيُؤَكِّدُهُ الْأَمْرُ الْمُقْتَضِي لِلتَّكْرَارِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِائَةَ مَرَّةٍ أُثِيبَ مِائَةَ مَثُوبَةٍ وَإِنْ تَرَكَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ اسْتَحَقَّ مِائَةَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ حَقَّقَ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْمَثُوبَةَ وَكُلُّ زَمَانٍ ضَيَّعَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ.
وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَثْرَةُ فَقَدْ صَارَتْ قَاعِدَةُ الْأَمْرِ تَشْهَدُ لِقَاعِدَةِ النَّهْيِ كَمَا شَهِدَتْ قَاعِدَةُ خَبَرِ الثُّبُوتِ فِي الْيَمِينِ لِقَاعِدَةِ خَبَرِ النَّفْيِ فَأَوْضَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَاتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ النَّهْي وَبَيْنَ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ الْيَمِينِ وَنَشَأَ سِرُّ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَتَحْقِيقِ نَقِيضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنَّ النَّقِيضَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَأَفْرَادُ التَّرْكِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ لِلْإِيجَابِ وَالْإِيجَابِ لِلنَّفْيِ وَأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ لِلْآخَرِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا إفْرَادُ الْأَفْعَال وَالتُّرُوكِ دُونَ النَّقِيضِ فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْوَاقِعَيْنِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا يُقَوِّي مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحِنْثَ مُحَرَّمٌ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ سَاتِرَةً لِذَنْبِ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَذِبَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنْتَ قَدْ حَقَّقَتْهُ فِي الْيَمِينِ فَيَتَّجِهُ مَا قَالُوهُ قُلْت لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْكَذِبَ الْوَاقِعَ فِي الْيَمِينِ هُوَ كَذِبٌ مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَفَى النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَصَارَتْ الْكِنَايَةُ مُشْتَهِرَةً بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَأُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ كَمَا أَلْحَقُوا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ إيَّاهَا لِلطَّلَاقِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ حَتَّى إذَا رُكِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ مُفْرَدٍ آخَرَ مِنْهَا نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَثَلًا لَفْظُ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَنَحْوِهِ كَانَ قَبْلَ التَّرْكِيبِ مَعَ حَرْفِ الْقَسَمِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَبَعْدَ التَّرْكِيبِ مَعَهُ نَقَلَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِخُصُوصِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى صَارَ صَرِيحًا لَا كِنَايَةً نَعَمْ لَا يَنْفَعُ هَذَا فِيمَا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ فَلَمْ يَشْتَهِرْ الْحَلِفُ بِهَا وَنَحْوِهِمَا إذْ لَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدُهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلِعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعُمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ.
وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيُّ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ اسْمٍ وَإِنْ جَرَى فِيهِ بِخُصُوصِهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute