مَا هُوَ فَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لَهُ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَجِبُ عِنْدَهُ الْكَفَّارَةُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ فَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ وَطْئِهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْعَوْدِ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الطَّلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ لَا عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّهْي فَتَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْإِثْمِ وَالتَّعْزِيرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِثْمَ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَكُلُّ فَرْدٍ يَتَكَرَّرُ تَتَكَرَّرُ الْمَفْسَدَةُ مَعَهُ فَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَعَمَّ الْإِثْمُ أَيْضًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ
لِحَسْمِ مَادَّةِ الْمَفْسَدَةِ
إذْ لَوْ أَثَّمْنَاهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبَحْنَا لَهُ مَا بَعْدَهَا أَدَّى ذَلِكَ لِوُقُوعِ مَفَاسِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْإِثْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَفَاسِدِ
وَثَانِيهَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ لِلْيَمِينِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ لِلْمُخَالَفَةِ فِيهَا وَتَكَرُّرِهَا فَتَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ وَأَمَّا الْآثَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَيَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْيَمِينَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَالْحِنْثُ أَيْضًا مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْتُ وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْدِمُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مُبَاحَيْنِ نَاسَبَ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمُقْدِمُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ عَاصٍ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِتَكَرُّرِ الْآثَامِ وَتَظَافُرِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّعَازِيرِ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْقَسَمَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ فَإِنَّ لَا أَفْعَلُ خَبَرٌ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا فَإِنْ صَدَقَ فِيهِ وَحَقَّقَ السَّلْبَ الْعَامَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ تَكْذِيبًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ نَقِيضَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ الْعُقُولِ إنَّ نَقِيضَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَبِهِمَا يَقَعُ التَّكَاذِيبُ لِمَنْ يَقْصِدُ تَكْذِيبَ مَنْ ادَّعَى الْأُخْرَى كَمَا إنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ عِنْدَنَا نَقِيضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَبَرَ إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقُ فَكَذِبٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَالْكَذِبُ حِينَئِذٍ نَقِيضُ الصِّدْقِ فَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ لِمُخَالَفَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ الْمُنَاقِضِ لِلصِّدْقِ الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِهِ وَمَتَى ارْتَفَعَ الصِّدْقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَمُدْرِكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحِظُ ابْتِغَاءَ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ لَا يُلَاحِظُ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يُعْلَمَ إذْنُهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَيْهِ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمِثْلَ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا أَشْبَهَهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ تَنْزِلُ عَلَى فَتْوَى الشَّيْخِ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ بَشِيرٍ حَيْثُ قَالَ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفَ بِهِ كَفَّارَةً اهـ.
فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ قِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْحَلِفِ.
وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَقِسْمٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ فَيَكُونُ بِسَبَبِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً غَيْرُ صَرِيحٍ بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ إذْ كَمَا أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِلْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.
وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْأَصْلُ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا قَوْلَنَا وَالْعَلِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَحَقِّ الْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَحَقِّ الْمُرِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَلِفِ إلَى خُصُوصِ