للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُزْئِيَّةُ وَهَذِهِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِنْثِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ سَبَبُهَا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ أَنَّ الشَّارِعَ قَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ لَا لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَهَا هُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ السَّلْبُ الْعَامُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لَهُ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ.

وَالْكَفَّارَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقَ الْمُلَابَسَةِ لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ وَمُلَابَسَةِ الْفَعْلِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُخَالَفَةَ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ لَا هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَمُطْلَقُ الثُّبُوتِ هُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى وَضْعِ الشَّرْعِ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت نَقِيضَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مَنْ أَتَى بِنَقِيضِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي يَمِينِهِ وَحَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عُمُومٌ يُفْهَمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِذَا دَخَلَ الدَّارَ رَجُلٌ مَرَّةَ وَاحِدَةً وَأَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ دَخَلَ ثَانِيًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عَلَّقَ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ لَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً طَلُقَتْ طَلْقَةً ثُمَّ دَخَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ إشَارَةً إلَى تَقْرِيرِ عَدَمِ لُزُومِ تَكَرُّرِ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَأْتِ بِعُمُومٍ يَقْتَضِي التَّكَرُّرَ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ كَذَلِكَ صَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقَ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لِمُوجَبِ يَمِينِهِ مِنْ السَّلْبِ الْعَامِّ لَا كُلَّ ثُبُوتٍ وَلَا ثُبُوتَيْنِ بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا فَقَطْ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالدَّخْلَةِ الثَّانِيَةِ لِلدَّارِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَفَّارَةُ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنْ عَادَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي مَعْنَى السَّلْبِ الْعَامِّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى نَقِيضِ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا عَادَ فَتَكَرَّرَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَجْعَلْ الثُّبُوتَ بِوَصْفِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ وَالْمُطْلَقُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصُورَةِ إجْمَاعًا كَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَنَظِيرُهُ أَيْضًا الْمُظَاهِرُ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُقْتَضَى هَذَا التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ الدَّائِمُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ مُحَرَّمَةً دَائِمًا تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ فَإِنْ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ عَلَى وَطْئِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَامَةٍ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَامَةُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ فَتَأَمَّلْ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا وَهَذَا نَوْعَانِ

(الْأَوَّلُ) مَا لَمْ يُرِدْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ كَالصَّبُورِ وَالْحَلِيمِ وَالشَّكُورِ فَالْأَوَّلُ يُوهِمُ وُصُولَ مَشَقَّةٍ لَهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِالْحَلِيمِ وَفَسَّرَ الْحَلِيمَ قَبْلُ بِاَلَّذِي لَا يُعَجِّلُ الْعِقَابَ وَهُوَ يُوهِمُ تَأَثُّرًا وَانْفِعَالًا بِالْغَضَبِ فَيَكْتُمُ وَالثَّالِثُ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ الْمُجَازِي عَلَى الشُّكْرِ وَقِيلَ يَثْبُتُ عَلَى الْقَلِيلِ الْكَثِيرُ.

وَقِيلَ الْمُثْنِي عَلَى مَنْ أَطَاعَهُ وَهُوَ يُوهِمُ وُصُولَ إحْسَانٍ لَهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي آخَرِ الْحُكْمِ أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذَاتِك عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْك النَّفْعُ مِنْك فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنِيًّا عَنِّي وَهَذَا النَّوْعُ يُقْبَلُ وَيُؤَوَّلُ وَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ إجْمَاعًا لِإِيهَامِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ تَنَزُّلًا وَتَلَطُّفًا فِي خِطَابِنَا مَجَازًا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَخْجَلُ إذْ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَأَنْشَدَ (:

إنَّ الْمُلُوكَ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ ... لَهُمْ مَعَ السُّوقَةِ الْأَسْرَارُ وَالسَّمَرُ)

(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا وَرَدَ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خُلُقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] أَيْ وَجَازَاهُمْ اللَّهُ عَلَى مَكْرِهِمْ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمُجَازِينَ وقَوْله تَعَالَى {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ١٤] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] أَيْ اللَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ وَهَذَا النَّوْعُ لِكَوْنِ الْمُشَاكَلَةِ حَسَّنَتْهُ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ وَصَارَتْ قَرِينَةً عَلَى الْمَجَازِ بِحَيْثُ لَا تُتَوَهَّمُ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ لَا بِدُونِهَا هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَلَامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْحَقُّ لَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الْقِسْمِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ فَتَأَمَّلْ

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>