للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكُلُّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ وَيَكُونُ وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ وِزَانُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى لِأَنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْصُلُ هَذَا الْخُصُوصُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا حَصَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ أَلْبَتَّةَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

عَلَيْهِ بِأَلْفٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَلِذَلِكَ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ بَعِيدَةٌ عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ جِدًّا.

قَالَ (فَكُلُّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ أَجْرَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْهُوبٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ قَدْرُ مَا يَفْضُلُ بِهِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَ الْمَقْدِسِ مِثْلُ قَدْرِ مَا يَفْضُلُ بِهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ (وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ) قُلْت تِلْكَ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمُكَلَّفِ أَصْلًا فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ إلَيْهَا وَلَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّدْبِ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ جَزَاءٌ قَالَ (وَيَكُونُ وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبَيْنِ) قُلْت لَيْسَ وِزَانُهُ مَا ذَكَرَ وَكَيْفَ يُنَظَّرُ بَيْنَ جَزَاءِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَ مُتَعَلِّقِ فِعْلِهِ هَذَا خَلَلٌ وَاضِحٌ.

قَالَ (فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إجْمَاعًا) قُلْت لَا يَخْلُوَا نَاذِرُ التَّصَدُّقِ بِثَوْبٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَوْبَيْنِ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ بِهِمَا مَعًا فَإِنْ قَصَدَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ يُجْزِئْهُ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ قَصَدَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِهِمَا مَعًا فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا أَرَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ تَصِحُّ فِي ذَلِكَ.

قَالَ (وَلَا يَكُونُ وِزَانُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ وِزَانُهُ مَا ذَكَرَ قَبْلُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا وِزَانَهُ فَظَاهِرٌ قَالَ (لِأَنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْخُصُوصُ فِي الصَّلَاةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ.

قَالَ (كَمَا حَصَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ وَالْأَلْفُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لَمَا صَحَّ حُصُولُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ مُقَيَّدَةٌ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا وَالْأَلْفُ مُقَيَّدَةٌ بِتَمَامِهَا وَالْقَيْدَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ قَالَ (مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ أَلْبَتَّةَ) قُلْت وَأَيُّ خَلَلٍ أَعْظَمُ مِنْ خَلَلٍ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالَةِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمُكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ

(وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: ٥] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْوَالُ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً وَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ فَأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ مِنْ الْمُطَابَقَةِ

(وَرَابِعُهَا) أَنَّا وَجَدْنَا النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ كَوَلَدِك وَصَدِيقِك فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ وَأَنَّ مَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قَصَدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>