للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ إجْزَاءِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ الرَّاجِحِ عَنْ الْمَرْجُوحِ فِي الْعِبَادَاتِ وَقَاعِدَةِ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ بِالْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّلَاةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ مِنْ مَسَاجِدِ الْأَقْطَارِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ

(تَنْبِيهٌ) مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي النَّذْرِ لُزُومُ ثَلَاثَةِ إشْكَالَاتٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ

(الْإِشْكَالُ الْأَوَّلِ) عَلَى مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ إنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ قَبْلَ النَّذْرِ وَلَا فِي مُبَاحٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَا يُلْزِمُ أَحَدًا بِفِعْلِ الْمُبَاحِ نَذَرَهُ أَمْ لَا وَالْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي رَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَشْكَلَ عَلَى ذَلِكَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ قَمْحًا مَعَ أَنَّ هَذَا الشَّعِيرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَالِيَّةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقَمْحِ وَالتَّصَدُّقِ بِهَا رَاجِحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالثَّانِي كَوْنُهُ شَعِيرًا وَكَوْنُهُ شَعِيرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِخُصُوصِهِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَا هُوَ رَاجِحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ خُصُوصُ الشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ لَا تَجَزُّئِهِ الصَّلَاةُ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقُرْبَةِ وَلَيْسَ فِي خُصُوصِ الصَّوْمِ وَجْهٌ يَتَرَجَّحُ بِهِ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهِ النَّذْرُ وَيُمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مَقَامَهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ إلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْت لَيْتَهُ لَمْ يُفَسِّرْ هَذَا السِّرَّ فَإِنَّ مِثْلَهُ مِمَّا يَجِبُ كَتْمُهُ.

قَالَ (تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي النَّذْرِ لُزُومُ ثَلَاثَةِ إشْكَالَاتٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِي الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ أَثَّرَ فِيمَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ أَثَّرَ فِي رَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ رَاجِحٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَنُبْ الْقَمْحُ عَنْ الشَّعِيرِ وَالصَّلَاةُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذُرْ الْقَمْحَ وَلَا الصَّلَاةَ فَلَوْ فَعَلَ التَّصَدُّقَ بِالْقَمْحِ بَدَلَ الشَّعِيرِ أَوْ فَعَلَ الصَّلَاةَ بَدَلَ الصَّوْمِ لَكَانَ قَدْ خَالَفَ مَا الْتَزَمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلنَّدَبِ أَثَرٌ إلَّا فِي تَصْيِيرِ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ وَاجِبًا خَاصَّةً وَامْتَنَعَتْ نِيَابَةُ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهَا وَكَذَلِكَ نِيَابَةُ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ مُتَعَلِّقِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّذْر وَجَازَتْ نِيَابَةُ الصِّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ صِفَاتِ مُتَعَلِّقِ الْعِبَادَةِ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلنَّذْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْجِنْسَ أَعْنِي جِنْسَ الْعِبَادَةِ أَوْ مُتَعَلَّقَهَا مِمَّا هُوَ جِنْسٌ مَقْصُودٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ وَصِفَةُ مُتَعَلَّقِهَا إنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لَهُ وَعَلَى الصِّفَةِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ نَاذِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

اللَّازِمِ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِيهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَكَذَا تَضَمُّنًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَلَى مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ

(أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ وُصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ

(وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ إذْ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي

(وَأَمَّا الثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ أَوْ جُزْءٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ عِنْدَنَا مِنْ صِحَّةِ الْمَجَازِ فِي كُلِّ لَازِمٍ أَوْ جُزْءٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ لَا خُصُوصُ الْمُشَابَهَةِ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] مَعَ أَنَّ الْجُزْءَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْكُلِّ حَتَّى أَنَّهُمْ لِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرَكَّبًا تَرْكِيبًا حَقِيقِيًّا وَأَنْ يَسْتَلْزِمَ انْتِفَاءُ الْجُزْءِ انْتِفَاءَهُ عُرْفًا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالظُّفْرِ وَالْأُذُنِ لِلْإِنْسَانِ اهـ.

أَيْ وَالْيَدُ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ قَالَ فِيهِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّبِيئَةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَقِيبٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعَيْنِ اهـ كَذَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي غَيْرِ الشَّجَاعَةِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَهُوَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَظْهَرُ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَحْرِيمُ قَتْلِ مُطْلَقِ حَيَوَانٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ مَائِعٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ اللَّحْمِ فَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>