للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَنَّ الْعِرْضَ إذَا صَارَ مَثْلُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَصِيرَ مَعْصُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْعَدَالَةِ وَالْوِلَايَةِ

(وَالْجَوَابُ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْبَحْثَ هَهُنَا يَظْهَرُ بِقَاعِدَتَيْنِ

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحُكْمِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبُ سَبَبِهِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِ الْحُكْمِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَوْفَ الزِّنَى سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ وَالزَّوَاجَ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ الزِّنَى سَبَبَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَصَّبَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَنَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ فَمَنْ سَعْي فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا وَيَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ لَا يَجُوزُ رَجْمُهُ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» .

فَإِذَا أَخَذْنَا نُعَلِّلُ بِهَذَا الْحِكْمَةَ لَزِمَنَا أَنَّ مَنْ شَرِبَ دَمَ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَ اللَّبَنُ وَعُدِمَ مَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْحِكْمَةِ أَوْقَعَ بِهِ الْحُرْمَةَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ وَالْمُخْتَلِطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَالدَّوَاءُ كَالْمَاءِ عِنْدَهُ وَهَهُنَا فِي بَابِ الْقَذْفِ شُرِعَ سَبَبًا لِلْجَلْدِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ وَصَوْنِ الْقُلُوبِ عَنْ الْأَذِيَّاتِ لَكِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَمِنْ جُمْلَةِ عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَمَنْ بَاشَرَ فَقَدْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ عَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَصْدُقَانِ وَالْعَدَالَةُ بَعْدُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُبَاشِرًا فَإِنْ لَاحَظْنَا الْحِكْمَةَ دُونَ السَّبَبِ حَسُنَ إعَادَةُ الْحَدِّ وَإِنْ اقْتَصَرْنَا عَلَى خُصُوصِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مَيْتَةٌ وَبَعْضُ مَنْ قَالَ إنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ تَمَامَ خِلْقَتِهِ وَنَبَاتَ شَعْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّةِ الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَقَرَةِ أَوْ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيهِ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَخَرَّجَ مِثْلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأُصُولِ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَبَعْضِهِمْ لَمْ يُصَحِّحُهُ وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَهُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْأَثَرِ فَهُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ فَإِنَّمَا يَمُوتُ خَنْقًا فَهُوَ مِنْ الْمُنْخَنِقَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا وَإِلَى تَحْرِيمِهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَلَمْ يَرْضَ سَنَدَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ نَبَاتِ الشَّعْرِ فِي حَيَّتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَمُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ.

وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ هُنَالِكَ تَفْصِيلٌ وَكَوْنُهُ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْحَيَاةَ قِيَاسًا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا التَّذْكِيَةُ وَالْحَيَاةُ لَا تُوجَدُ فِيهِ إلَّا إذَا نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ حَلْقُهُ وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ إذَا شَعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَضْعُفُ أَنْ يُخَصَّصَ الْعُمُومُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ.

وَقَالَ الْأَصْلُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ تَجْرِ فِي الْجِنْسَيْنِ حَيَاةٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ ذَكَاةٌ لَا مِنْ قِبَلِهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَعَلَامَةُ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَالُ الْخَلْقِ وَنَبَاتُ الشَّعَرِ فَإِنْ ذُكِّيَتْ الْأُمُّ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْفَوْرِ كَرِهَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَقَعَ فِي الْجَلَّابِ تَحْرِيمُهُ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُذَكَّ الْأُمُّ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَيَاةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُؤْكَلْ.

وَإِنْ ذُكِيَتْ الْأُمُّ فَخَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهَا ذَكَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>