للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقَالِ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا الْجَوَابُ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهِمَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ الْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ.

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِنْسَانِ لِإِمَائِهِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَالْمَرْأَةِ لِعَبْدِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ بِشَرْطِهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ)

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي الصِّحَّةِ وَلَا السَّكْرَانُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمَذَلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَلَا مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ذَلِكَ النَّسَبُ وَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ عَقْدُ الْبَيْعِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ بَعِيدُ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَيَكْفِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَلَا يُشْرَعُ الْبَيْعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالْمِلْكِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ لَهُ فِي أَمَتِهِ

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] وَالِاسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّقِيقِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءَ بِالِاسْتِهَانَةِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا لِتَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) كُلُّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ وَالرِّقُّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالزَّوْجِيَّةِ بِشُهُودِ زُورٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَازَ لِأَحَدِ تِلْكَ الشُّهُودِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ بِطَلَاقِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ وَأُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُعِلَ حُكْمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا وَلَا طَلَاقًا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ عُمِّمَ نُفُوذُ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ فِي صُوَرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا مِنْ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ دُونَ مَا لَا يَدْخُلُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَتَسْتَقِلُّ بِهِ الذِّمَّةُ مِنْ الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهَذَا الْمُدْرَكِ بَلْ قُلْنَا لَا يَنْفَدُ هَذَا الْحُكْمُ لَا أَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نُبْقِيَهُ فَارِقًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.

وَبِخِلَافِ مَا فِيهَا ظَاهِرٌ يَنْكَشِفُ خِلَافُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ وَطْئًا سَيِّدِهَا وَمِنْ مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى كَثِيرِ نِسْوَةٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ حَالِهِنَّ يَقْتَضِينَ الِاخْتِيَارَ وَتَزَوَّجَهُنَّ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الِاخْتِيَارِ فِيهِنَّ فَالْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ وَلِيُّهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ مَعْذُورَةٌ مَأْذُونٌ لَهَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي بِسَبَبِ الظَّاهِرِ فَيَكُونُ مَا فِيهِ ظَاهِرٌ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ وَحَيْثُ كَانَتْ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ أَبْعَدَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ فَلْنُعَيِّنْهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَاقِي الثَّمَانِيَةِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَنَقُولُ: أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَوْتَ شَأْنُهُ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ وَلَيْسَ اشْتِهَارُ عَقْدِ الْوَلِيِّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْوُجُودِ كَاشْتِهَارِ الْمَوْتِ وَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ كَتَوَفُّرِهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَوْتِ إنْسَانٍ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ كَمَا تَشْهَدُ الْعَوَائِدُ بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَطَأَ فِيمَا الشَّأْنُ فِيهِ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ التَّامُّ نَادِرٌ فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ فَلَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْسَارِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْأُولَى ظَالِمَةٌ قَاصِدَةُ الْفَسَادِ فَنَاسَبَ أَنْ تُعَاقَبَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِهَا بِالزَّوَاجِ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهَا وَدَعْوَاهَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا عِلْمٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ مَنْ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأُولَى يُبْنَى عَلَى اسْتِصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زَوَاجِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى وَاسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ أَضْعَفُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>