للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ النِّكَاحِ مَعَ صِحَّةِ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَقْتَضِي النِّكَاحُ غَيْرَ إبَاحَةِ الْوَطْءِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّكَاحِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ السَّابِقُ لِطُرُوءِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ لِوُرُودِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْمُدْرَكَ لَيْسَ تَقْدِيمَ الطَّارِئِ عَلَى السَّابِقِ بَلْ الْمُدْرَكُ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْحَالَتَيْنِ إنْ تَقَدَّمَ قُدِّمَ وَإِنْ تَأَخَّرَ قُدِّمَ فَإِنْ سَبَقَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَرَأَ أَبْطَلَ وَهَذَا هُوَ أَثَرُ الْقُوَّةِ وَالرُّجْحَانِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ الْكَائِنِ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ الرِّقُّ لِلزَّوْجَيْنِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ)

اعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَتَتَصَرَّفَ فِي بُضْعِهَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَمْ لَا دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَمْ فَاخِرَةً وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الرَّشِيدَةِ الثَّيِّبِ وَغَيْرِهَا فَيَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْجَبْرِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوِّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ خَسِيسَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَجَازَ تَفْوِيضُهَا لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَّا مَالِكُهُ

(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يُعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذَ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ وَمِثْلُ هَذَا الْهَوَى يُغَطِّي عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ لِضَعْفِهِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفْسِدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ هَذَا الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ الْقَاهِرَةِ الَّتِي رُبَّمَا حَصَلَ الْجُنُونُ وَذَهَابُ الْعَقْلِ بِسَبَبِ فَوَاتِهَا

(وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَصَلَ الضَّرَرُ وَتَعَدَّى لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْمَالِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّى الْمَرْأَةَ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

اسْتِصْحَابِ عَدَمِ عَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ لِأَوْلِيَائِهَا غَالِبًا وَعُقُودُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لَا تَشْتَهِرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ وَإِنْ اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْعَدَمِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إيصَالِ حُقُوقِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّ الْغَيْبَةَ هُنَاكَ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ شَاهِدَةٌ عَلَى الزَّوْجِ بِدَعْوَى الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ هُنَا صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تَشْهَدُ بِعَدَمِ زَوَاجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ. الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْعَاقِدَ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْعَقْدِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ عَقْدُهُ بِالنُّفُوذِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ هَاهُنَا فَإِنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مَعَ قَوْلِ الزَّوْجِ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُمْكِنٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَسَقْطِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا، كَانَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَا ذُكِرَ مُعَارِضًا لِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَصَرُّفِ وَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تَعْتِقُ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ زَوْجَ الْأَمَةِ مُتَهَافِتٌ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَايَةَ التَّعَلُّقِ بِسَبَبِ أَنَّهَا نَزَعَتْ عِصْمَتَهَا مِنْهُ قَهْرًا وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ فَنَاسَبَ ذَلِكَ الرَّدَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لِلزَّوْجِ الْمَعْقُودِ أَوَّلًا هَذَا التَّعَلُّقُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْفَوَاتِ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الدَّافِعُ لِلنُّقُوضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَبِهِ يَصِحُّ الْمُدْرَكُ وَيَتَبَيَّنُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكِيلَيْنِ فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ الْتَحَقَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ أَوْ لَا وَقَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْأَنْكِحَةِ مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَقْدَ الثَّانِي إنْ حَصَلَ دُخُولٌ وَإِلَّا فَعَقْدُ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِعُقُولِهِمْ الصَّافِيَةِ مِنْ قَوَاعِدَ يُلَاحِظُونَهَا وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَإِنَّ بِمُلَاحَظَتِهِمَا يَقْرُبُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَيَظْهَرُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ أَرَهُ قَطُّ لِأَحَدٍ حَتَّى آلَ الْفَرْقُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْقُرْبِ وَالظُّهُورِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْقَلَقِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقَوَاعِدِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِوَجْهَيْنِ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْقَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذْ كَمَا أَنَّ السِّلْعَةَ فِي الْبَيْعِ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي عِنْدَهُ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>