بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ دُخُولٍ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَيَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبَهُ فَيَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ فِي قَوْلِك جَصَّ مُشْنِقٌ فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ فَكُلُّ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ لَا يَجْمَعُهُمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ لِلُّزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِ الْجَعَالَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْبَيْعَ وَالْإِجَازَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَفْيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ لَهُ وَذَلِكَ مُوَفَّقٌ لِلْبَيْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ لِتَضَادِّهِمَا فِي الْمُكَايَسَةِ فِي الْعِوَضِ الْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُشَاحَّةِ فِي الْبَيْعِ فَحَصَلَ التَّضَادُّ، وَالصَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ فَضَادَّ الْبَيْعُ الصَّرْفَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْقِرَاضُ فِيهِمَا الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ كَالْجَعَالَةِ وَذَلِكَ مُضَادٌّ لِلْبَيْعِ وَالشَّرِكَةُ فِيهَا صَرْفُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَهُوَ صَرْفٌ غَيْرُ نَاجِزٍ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ وَالْبَيْعُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ وَمَا لَا تَضَادَّ فِيهِ يَجُوزُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعُ أَيْ زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَزَوْجَاتُ الْأَبْنَاءِ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُ الزَّوْجَاتِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُمَا زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ أَيْ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدٍّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ قَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرْقَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً عَلَى تَحْرِيمِ وَاحِدَةٍ بِالدُّخُولِ وَهِيَ ابْنَةُ الزَّوْجَةِ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ الزَّوْجَةِ هَلْ تَحْرُمُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَلَوَاحِقُ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ غَيْرِ الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إلَيْهِ بِالْمُنْدَرِجِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ فِي أَمْرَيْنِ:
(الْأَمْرُ الْأَوَّلِ) الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ فَزَعَمَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُنْدَرِجَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُنَّ الْحَرَائِرُ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ النِّسَاءِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٣٠] إلَّا الزَّوْجَاتُ الْحَرَائِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ قَدْ يَتَحَقَّقْنَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَعَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِنَّ الْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي التَّحْرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مُبِيحِ الْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ بِشَرْطِهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ وَلِأَنَّ الْأَنَفَاتِ تَحْصُلُ مِنْ وَطْءِ الْغَيْرِ مَا وَطِئَهُ الْإِنْسَانُ بِالْمِلْكِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ بِالْعَقْدِ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِنِسَائِنَا إمَّا جَمِيعُ الْمَنْكُوحَاتِ بِعَقْدٍ كَانَ نِكَاحُهُنَّ أَوْ بِمِلْكٍ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ مَمْلُوكَاتٍ وَإِمَّا الْمَنْكُوحَاتُ بِخُصُوصِ الْعَقْدِ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ وَلَا وَجْهَ لِقَيْدِ كَوْنِهِنَّ حَرَائِرَ عِنْدِي قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] إلَخْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ فَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَرَاهُ حُجَّةً فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِمَاءِ الْمَنْكُوحَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ بِعَقْدٍ إلَّا أَنَّ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْعَقْدِ مِنْ الْمُنْدَرِجِ لَا مِنْ لَوَاحِقِهِ عَلَى كِلَا التَّرَدُّدَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْمُنْدَرِجِ عَلَى التَّرْدِيدِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِهِ وَمِنْ اللَّوَاحِقِ عَلَى الثَّانِي فَافْهَمْ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْحَقِيقَةُ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَلَفْظِ الْأُمِّ وَلَفْظِ الِابْنِ وَلَفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute