للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فِي اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ حَتَّى لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ وُجِدَ لِمَالِكٍ الْقَوْلُ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ)

قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْيِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصْدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَتُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِكُلِّ لَفْظٍ يَفْهَمُ الْمُتَنَاكِحَانِ مَقْصُودَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُوَّانِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْبِنْتِ فِي النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَالَ الْأَصْلُ أَنَّ حَقَائِقَهَا الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَانَتْ مَجَازَاتٍ وَأَنَّ الِانْدِرَاجَاتِ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: ٢٣] اهـ. لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا لَمَا صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِلْأُمِّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَلَمَّا صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَبِالثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَرِثَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ السُّدُسَ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ وَلَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْحَجْبِ وَالْجَدُّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَلَمَّا كَانَتْ الْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَبَنُوهُمْ لَا يَحْجُبُونَهَا فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ تَعَذُّرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْفَقِيهُ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ غَالَطَ. اهـ

وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ وَالْبِنْتِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ لَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ مَثَلًا كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ

وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الِانْدِرَاجَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّصِّ لَا بِالْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ إنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ يَتَنَاوَلُ حَقِيقَةَ كُلِّ وَلَدٍ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ دَنِيًّا أَوْ بَعِيدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٢٦] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: ١٢] فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ كَانَ لِصُلْبِ الْمَيِّتِ دَانِيًا أَوْ بَعِيدًا وَيُقَالُ بَنُو تَمِيمٍ فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ غَلَبَ مَجَازُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ الْأَدْنَيْنَ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِي الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ فِي الْأَبْعَدِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفِي عَنْهُ فَيُقَالُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَمَا سَاغَ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْأَعْيَانِ يُسَمَّى وَلَدًا وَلَا يُسَمَّى وَلَدَ الْوَلَدِ وَكَيْفَمَا دَارَتْ الْحَالُ فَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ هَاهُنَا أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>