للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ قَرِينَةٌ مُصَدِّقَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ يُدَيَّنُ، وَقِيلَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الَّذِي أَرَادَ وَاحِدَةً فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ وَمِنْ هَزْلِ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَيُؤْخَذُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ تَعْلِيقَهُ.

ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْمَذْهَبِ وَوَافَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ اللَّخْمِيَّ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَثَاقِ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ غَيْرَ مُطَلِّقٍ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا صَرَفَ اللَّفْظَ بِقَصْدِهِ عَنْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إلَى غَيْرِهِ نَحْوَ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ فَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ لَوْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْفُتْيَا إجْمَاعًا وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَنْ لَهُ أَمَةٌ وَزَوْجَةٌ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِكْمَةُ، وَقَالَ حِكْمَةُ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت الْأَمَةَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ عَلَى اللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَإِنْ أَوْهَمَ اللُّزُومَ فِي الْفُتْيَا فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ وَالْأَخْذُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ دُونَ الْمُفْتِي، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ الْقَرِينَةَ فَإِنَّ الْمُفْتِي يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ وَالْمَقَاصِدَ دُونَ الْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّظَائِرِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى عَدَدًا لَزِمَهُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُفِيدُ إلَّا أَصْلَ الْمَعْنَى فَالزَّائِدُ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُوجِبُ طَلَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ ثَلَاثًا إذَا لَفَظَ بِهَا تَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ نَحْوُ قَوْلِهِ قَبَضْت عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَوْلُهُ دِرْهَمًا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْعَدَدِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً فَكَذَلِكَ ثَلَاثًا يُخَصِّصُ اللَّفْظَ بِالْبَيْنُونَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَ الْمُفَسِّرِ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إنَّمَا جُعِلَ لِفَهْمِ السَّامِعِ لَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُقِيمُوا الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ السُّنَّةِ فِي خُصُوصِيَّاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا عُدَّ ذَلِكَ ثَابِتًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَشْرُوعَةٌ بِالْقُرْآنِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ بَيَانٍ لِمُجْمَلٍ يُعَدُّ مَنْطُوقًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ وَيُوقَفُ عِنْدَ تَعَارُضِ الظُّنُونِ اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ تَامٍّ وَتَسَبُّبُهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِهِ مُطْلَقَةً أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهَا التَّحْرِيمُ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ تَامٍّ وَسَبَبُهَا عَنْهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ التَّحْرِيمُ مَعَهَا وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ يَجْتَمِعُ.

وَقَدْ تَفْتَرِقُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ وَلَمْ يَرْتَفِعْ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَإِنْ ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ ارْتَفَعَ مِنْ سَبَبَيْ التَّحْرِيمِ أَوْ أَسْبَابِهِ وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبَبَيْنِ وَالْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتَّحْرِيمِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ مَعَ أَسْبَابِهَا تَنْدَفِعُ إشْكَالَاتٌ تَرِدُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْفِقْهِ وَعَلَى النُّصُوصِ بِسَبَبِ تَعَارُضِ أَحْكَامِ أَسْبَابٍ تَقَدَّمَتْ مَعَ أَسْبَابٍ أُخَرٍ حَاضِرَةٍ (مِنْهَا) أَنَّ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ.

وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا أَيْ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْتَفِي مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّ مُقْتَضَى الْغَايَةِ قَدْ حَصَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ زَالَ تَحْرِيمُهَا الْحَاصِلُ بِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا لَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ تَحْرِيمُهَا النَّاشِئُ عَنْ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ مَعَهُ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ صَارَ خَلَفًا عَنْ السَّبَبِ الزَّائِلِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي زَالَ السَّبَبُ الْمُتَجَدِّدُ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ مُتَجَدِّدٌ مَعَ سَبَبِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَهُوَ كَوْنُهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِذَا كَمَّلَتْ الْعِدَّةَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ زَالَ سَبَبَا التَّحْرِيمِ وَبَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ غَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>