للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمُونَةُ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا، بَلْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ فَصَارَ الِاسْتِثْنَاءُ تَارَةً يُقْطَعُ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا كَالْآيَةِ وَفِي بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَالشِّعْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَقُولُ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ فَتَسْتَثْنِي الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ وَتَتْرُكُ الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ، وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّك مَرَرْت بِالسَّاكِنِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّقْرِيرُ، وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَاهُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ إلَّا خَالِدًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٍ بِهِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرِّضًا لِلنِّسْيَانِ فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ وَعَلَى سِيَاقِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَمْتَنِعُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٌ بِهِ وَهُوَ الْمَعْطُوفُ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوهُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَيُعَلِّلُونَهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصٌ لَيْسَ لِلْآخَرِ.

وَأَمَّا الْوَحَدَاتُ فَمُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ إنْ كَانَ هُوَ التَّرْغِيبَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَجْهُ لِلتَّفْرِيقِ إذْ لَا يَزِيدُ الزَّوَاجُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي إذَا وَطِئَ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ فِي حَدِيثِ غَيْلَانَ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ «أَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا بِعَامَّتِهِنَّ» كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ تَأْثِيرَ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرَ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُودِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ كُلًّا مِنْ غَيْلَانَ وَأَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقَدَا وَاحِدًا أَوْ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ فَأَقَرَّهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذَا الْحُكْمَ لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهْمًا فِيهَا فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذْ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ إذْ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا

لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>