فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَسَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَذِنَ لِلْحُرَّةِ فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَالْحَلِفُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لِلْأَمَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا أَذِنَ لِلزَّوْجِ
(وَجَوَابُهُ) إذْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّقَادِيرِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ وُجُودِ التَّقَادِيرِ بِدَلِيلِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْإِذْنِ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّصَرُّفِ قَبْلَ مَرَضِ الْمَوْتِ وَصَرْفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حِينَئِذٍ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ رَتَّبَهَا وَأَذِنَ فِيهَا عَلَى تِلْكَ التَّقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَيْضًا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَنُظِرَتْ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا هَلَكَتْ بِإِذْنِ رَبِّهَا لَا يَضْمَنُ وَبِإِذْنِ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَضْمَنُ وَمَسَائِلَ مَعَهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلٍ إضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ بِهَا وَالْإِفْضَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ بِمَالِ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى بَذْلِ مَا تَمْلِكُهُ يَدُهُ أَمَّا الْإِفْضَالُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ مَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَهَذَا نَافِذٌ لِأَنَّهُ نَظِيرُ تَفَضُّلِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ
(وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يَهَبُ
(وَثَانِيهِمَا) أَنْ يَعُودَ عَلَى الْوَلِيِّ وَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يُسْقِطُ لَكِنْ مَنْ جَعَلَهُ الزَّوْجَ فَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا زَائِدًا فِي الْآيَةِ أَيْ شَرْعًا زَائِدًا لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ وَمَنْ جَعَلَهُ الْوَلِيَّ فَقَدْ زَادَ شَرْعًا فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ أَظْهَرُ فِي الْوَلِيِّ مِنْهَا فِي الزَّوْجِ وَذَلِكَ شَيْءٌ يَعْسُرُ قُلْت قَالَ الْأَصْلُ الْآيَةُ تَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا فَيَسْقُطُ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتُ مَعَ هَذِهِ النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ أَوْ التَّشْرِيكِ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ هُوَ مُطْلَقُ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ مَعَ صَدَقَةٍ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَجَبَ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا صَادِقًا عَلَى الْتِزَامِ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ، وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٧] كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ فَلَمَّا عَدَلَ الظَّاهِرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا عَلِمْت
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ
(وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ