للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُسْقِطَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِحُصُولِ الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ.

وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَجِهَةُ الْآدَمِيِّينَ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَلْ لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ

(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَإِنْ رَضِيَ بِهَا كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَأْمُورَ بِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ)

قُلْت قَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَهُوَ هَذَا بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ هُوَ هُوَ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْقَوَاعِدِ نَقْلٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ

(الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَكَمَا أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ وَالصَّبْغِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ لِلصَّبَّاغِ كَذَلِكَ هَاهُنَا

(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَ بِيَدِهَا سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَالزَّوْجَانِ إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.

وَوَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إمَّا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ خِلَافَ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ مَثَلًا الْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِمَا عَلِمْت وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي عَدِمَ قَبْضَهَا لِكَوْنِ قَوْلِهِ عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ مُقَنَّعَةً وَشِبْهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا تَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ

(وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْتِزَامِ مُسَاوَاةِ مَسْأَلَةِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ لِمَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ فِي تَقْدِيمِ مَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩] مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنًا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْفَارِقِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إمَّا مَعَ كَوْنِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعَاوَى وَأَمَّا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ كَالْغِفَارَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ الْإِلْجَاءِ بِالْعَادَةِ لَاسْتَدَّ الْبَابُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ لِكَوْنِهِمَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ (وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرَانِ: الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا يَتَجَاذَبَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>