للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ كَالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَاتِ وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِيَخْرُجَ التَّصَرُّفُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْإِبَاحَاتُ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

عَدَمِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ.

قَالَ (وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعُ كَالْإِجَارَاتِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ هُوَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ (وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ) قُلْت هَذَا التَّحَرُّزُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِّهِ.

قَالَ (وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ) قُلْت جُعِلَ التَّصَرُّفُ بَدَلَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ هُنَا مِنْ ضَيْفٍ وَشَبَهِهِ لَيْسَ لَهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، بَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالِانْتِفَاعِ خَاصَّةً

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْبَيْنُونَةِ بِتَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ الْبَيْنُونَةَ وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي التَّمْلِيكِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا إذَا زَعَمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا قَالَ وَصَارَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ عُرْفِ دَلَالَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ إنْسَانًا أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ خَيَّرَهُ اهـ.

مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي وَقَعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ نَوَاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ فِي الْخِيَارِ أَوْ التَّمْلِيكِ نَعَمْ التَّمْلِيكُ عِنْدَهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَالْوَكَالَةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْخِيَارُ وَالتَّمْلِيكُ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ قِيلَ) الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ فِي التَّمْلِيكِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ.

(وَقَدْ قِيلَ) إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ فِي التَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَتْ لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْتَ كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ فَإِنَّ الَّذِي بِيَدِي مِنْ أَمْرِك بِيَدِك، قَالَتْ فَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ أَرَاهَا وَاحِدَةً وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَسَأَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ صَنَعَ اللَّهُ بِالرِّجَالِ وَفَعَلَ يَعْمِدُونَ إلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ بِأَيْدِي النِّسَاءِ بِفِيهَا التُّرَابُ مَاذَا قُلْت فِيهَا قَالَ، قُلْت أَرَاهَا وَاحِدَةً وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّك لَمْ تُصِبْ، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ بِيَدِ الرَّجُلِ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى يَدِ الْمَرْأَةِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ وَمَعْنَى مَا ثَبَتَ مِنْ تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ أَنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُنَّ كُنَّ يُطَلَّقْنَ بِنَفْسِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي قِيلَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ (إمَّا) عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ إلَّا مَا أَرَادَهُ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ (وَإِمَّا) مَا قَالَتْهُ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا وَإِمَّا لُزُومُ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ (وَإِمَّا) أَنَّهُ لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ مُطْلَقًا وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا مَشْهُورُ مَالِكٍ فَقَالُوا الْخِيَارُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ أَيْ لَا صَرِيحٍ وَلَا ظَاهِرٍ، بَلْ كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَفَرَّقَ ابْنُ حَنْبَلٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ.

وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ، بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَلُّكٍ فِي الطَّلَاقِ، فَمَلَكَهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ.

وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>