للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهَا اقْتَضَتْ مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا وَهِيَ إمَّا وَاجِبَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهَا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمِلْكِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ إلَى قَوْلِهِ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ مُوجِبُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مُوجِبُهُ الِانْتِفَاعُ، ثُمَّ الِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ، ثُمَّ النَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَفَضَالَةُ وَنَضْرَةُ فِي الشَّرْحِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هُوَ ثَلَاثٌ» قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ غَيْرِهَا أَيْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ.

(وَإِنْ) قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ جَعَلَهُ بِلَفْظِهِ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَارِي مَا شِئْت أَوْ اخْتَارِي الطَّلْقَاتِ إنْ شِئْت أَوْ جَعَلَهُ بِنِيَّةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي عَدَدًا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَيَرْجِعُ فِيمَا يَقَعُ بِهَا إلَى نِيَّتِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ أَقَلَّ مِنْهَا أَيْ مِنْ ثَلَاثٍ كَاثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ وَقَعَ مَا طَلَّقَتْهُ دُونَ مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِتَطْلِيقِهَا وَلِذَا لَوْ لَمْ تُطَلِّقْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ التَّفَرُّقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا وَثَانِيهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ حَكَاهَا الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ

، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ مَالِكٍ فَالتَّشْهِيرُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّخْيِيرِ لَا التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ عِنْدَنَا أَصْلُ الطَّلَاقِ فَقَطْ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ لَمْ تُوقِعْ أَكْثَرَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ كَالتَّخْيِيرِ يُرْجَعُ فِيمَا يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى مَا تَقُولُهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا كَالتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ لَغْوًا لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا.

وَقِيلَ هُوَ خِلَافُ التَّخْيِيرِ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ، وَقِيلَ هُوَ غَيْرُ التَّخْيِيرِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ فَالْأَقْوَالُ فِيهِ سَبْعَةٌ شَارَكَ التَّخْيِيرُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَالَفَهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَحُكِيَ الْأَصْلُ فِي التَّخْيِيرِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ أَيْضًا

(الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا الثَّلَاثُ نَوَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمْ لَا فَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا خِلَافٌ

(الْقَوْلُ الثَّانِي) لِعَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثُ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا

(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ الثَّلَاثُ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ أَرَادَتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُقَابِلَا الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ التَّخْيِيرُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ التَّمْلِيكِ أَصْلُ الطَّلَاقِ كَمَا عَلِمْت

(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ عِيَاضٌ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِهِ فَقَطْ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهَذَا الْقَوْلِ فِيهِ فَافْهَمْ

(الْقَوْلُ الْخَامِسُ) لِابْنِ الْجَهْمِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّمْلِيكِ مِنْ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فَتَأَمَّلْ

(الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ وَهُوَ إمَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>