وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ كَالْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِنْ، قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنَّ الضِّيَافَةَ تُمْلَكُ وَهَلْ بِالْمَضْغِ أَوْ بِالْبَلْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، فَهَذَا مِلْكٌ مَعَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى مَا قُدِّمَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إطْعَامِهِ لِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ وَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَقَدْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ كَبُيُوتِ الدَّارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ قَالَ (فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ) ، قُلْت ذَلِكَ حِكَايَةُ سُؤَالَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ (قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَوَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته أَوْ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُنْسَبَ لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَيْهِ فَهُوَ إمَّا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِمَّا كَالتَّمْلِيكِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّمْلِيكُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا وَإِمَّا أَنْ يُنْسَبَ لِابْنِ حَنْبَلٍ، فَيَكُونُ خِلَافَ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَالتَّوْكِيلِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ فَتَنَبَّهْ
(الْقَوْلُ السَّابِعُ) أَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحُكِيَ الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ يَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَيَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالْكَثْرَةَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَنْوِيَ اهـ.
وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مُعْتَمَدَ مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ وَأَنَّهُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ إذْ التَّمْلِيكُ كَالتَّوْكِيلِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيمَا تُوقِعُهُ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ وَأَنَّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَى هَذَا إنَّمَا هُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فِيهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَشْهُورِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَدَارَكَ
(الْمُدْرَكُ الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: ٢٨] . الْآيَةَ. قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِالثَّلَاثِ
(الْمُدْرَكُ الثَّانِي) أَنَّ إحْدَى نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الْخِيَارِ
(الْمُدْرَكُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عَادَةً إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتُهَا هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ خَيَّرْتُك وَتَعَقَّبَ اللَّخْمِيُّ الْمُدْرَكَ الْأَوَّلَ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْمُطَلِّقُ لَا النِّسَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: ٢٨]
(الْوَجْهُ الثَّانِي) سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ كُنَّ اللَّاتِي طَلَّقْنَ لَكِنَّ السَّرَاحَ لَا يُوجِبُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ سَرَّحْتُك
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ الثَّلَاثُ لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مُعَلَّلٌ بِالنَّدَمِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنَّا
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَعَقَّبَ الْمُدْرَكَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُهُ مِثْلَ ذَلِكَ» وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ هَذَا أَيْ التَّخْيِيرَ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتِهَا هُوَ الْمَفْهُومُ عَادَةً لَكِنْ فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى ابْنِ عبق أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ قِيلَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا مُشَارَكَةَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعُرْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقِيلَ هُوَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ تَابِعٌ لِلُّغَةِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ بِيَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ إعْطَاءٌ.
وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ خُيِّرَ فُلَانٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ، فَيَكُونُ تَخْيِيرُ الزَّوْجَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالذَّهَابَ عَنْهَا، وَذَلِكَ