أَمْسِ لَا يَصِحُّ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ:.
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ: قِسْمَانِ قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَقِسْمٌ وَكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِينَ.
فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحَصَرَ جَعْلَهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ وَالْمُكَلَّفُ جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسَائِلُ: أَحَدُهَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ وَاقِعٌ أَيْضًا وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا لِأَنَّ قَاعِدَةَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَيَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَلَا تَنَافِي بَيْنَ ثُبُوتِ الشَّيْءِ حَقِيقَةً وَعَدَمِهِ حُكْمًا كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةٌ حُكْمًا وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا مَوْجُودَةٌ حُكْمًا وَمَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً عَكْسُ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ وَغَيْرُهُمَا يُحْكَمُ بِوُجُودِهِمَا وَإِنْ عُدِمَا عَدَمًا حَقِيقِيًّا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِيَ الْمُحَقَّقَاتِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَمْسِ لَا يَصِحُّ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ عِنْدِي صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا حُكِيَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ لَنَا تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ.
قَالَ: (وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ إلَى آخِرِ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ) قُلْتُ: هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْيِينِ الْأَلْفَاظِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي عَدَمِ تَعْيِينِهَا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةً حُكْمًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قُرُبَاتِهِمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَالِارْتِدَادِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ) :
يَا عَلِيمًا بِكُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ ... وَصَدِيقِي وَمَطْلَبِي وَأَنِيسِي
أَنْتَ مَنْ فِي رَفِيعِ مَجْدٍ وَفَضْلٍ ... وَمَقَالٍ لَهُ مَقَامُ الرَّئِيسِ
لَك مِنْ أَسْهُمِ الْبَيَانِ الْمُعَلَّى ... فِي شُذُوذٍ فَاوَضْتَ أَوْ فِي مَقِيسِ
وَلَك السَّابِقُ الْمُجَلَّى إذَا مَا ... رُمْت سَبْقًا بِحَلْبَةِ التَّدْرِيسِ
مَنْ كَعُثْمَانَ رَاضِيًا رَاقِيًا أَوْ ... جَ الْمَعَالِي بِطِيبِ خَيْمٍ وَسُوسِ
أَوْ لَمْ يَكْفِك الْجَوَاهِرُ حَتَّى ... جِئْت بِالزَّهْرِ فِي قُيُودِ الطُّرُوسِ
أَسْفَرَتْ عَنْ لِثَامِهَا بِنْتُ فِكْرٍ ... مِنْك رَامَتْ بِلُطْفِهَا تَأْنِيسِي
وَأَدَارَتْ عَلَى الْمَسَامِعِ مِنْهَا ... خَمْرَ مَعْنًى أَشْهَى مِنْ الْحَنْدَرِيسِ
وَأَشَارَتْ إلَى لَطَائِفَ دَارَتْ ... بَيْنَ خِلَّيْنِ تَزْدَرِي بِالْكُؤُوسِ
مَا عَلَى - يَا فَقِيهُ - أَحْمَدَ زَيْدٌ ... إنَّ ذَاكَ الْجَلِيسَ خَيْرُ جَلِيسٍ
قَدْ تَسَابَقْتُمَا الْفَضَائِلَ حَتَّى ... نِلْتُمَا أَقْصَى كُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ
فَكِلَا الْفَاضِلَيْنِ أَحْرَزَ فَضْلًا ... لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَعْنَى الشُّمُوسِ
إنَّ بَيْتَ الصَّفِيِّ لَا شَكَّ مَبْنًى ... لَعَمْرِي بُنِيَ عَلَى تَأْسِيسِ
بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ لِقَصْدِ ... رَامٍ مِنْهُ غَرَابَةَ التَّلْبِيسِ
أَوَ يَخْفَى عِيدٌ وَعِيدٌ وَعِيدٌ ... عَمَّ بِيَوْمِ الْعَرُوبَةِ الْمَأْنُوسِ
إنَّ هَذَا الْمُرَادَ إنْ قَالَ جَاءَتْ ... بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ
صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ لَكِنْ ... نُكِّسَ الْيَوْمُ غَايَةَ التَّنْكِيسِ
أَيْنَ يَوْمُ الرُّبُوعِ مِنْ يَوْمِ عِيدٍ ... مَنْ يَرُدُّ السَّعِيدَ لِلْمَنْحُوسِ
دُمْتُمَا فِي لَبُوسِ صِحَّةِ نُعْمَى ... مِنْ أَجْلِ الْمَلْبُوسِ غَيْرِ لَبِيسِ
قُلْتُ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُخَالِفُ الضَّابِطَ الْمُتَقَدِّمَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوَ يَخْفَى عِيدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ إلَخْ أَنَّهُ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ لِأَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّفِيَّ لَمْ يَقُلْ بَعْدَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَلْ قَالَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ الرُّبُوعِ كَمَا مَرَّ وَصَدَقَ الثَّانِي بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ الْأُسْكُوبِيُّ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ إلَخْ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ.