للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا وَعَيْنُ النَّقْدِ وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَأَثَّرَ بِشَرَفِهِ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهِ بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا يُمْلَكَانِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِذَا غَصَبَ غَاصِبٌ مِنْ شَخْصٍ دِينَارًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَالْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّهُ إذَا كَانَ الدِّينَارُ وَاَلَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ لَهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ وَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ فِي أَفْرَادِ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِلْكٌ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ، بَلْ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ فَقَطْ دُونَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفَرْدِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا تَكُونُ الْعُقُودُ فِي النَّقْدَيْنِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَمَ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ وَالْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ تَتَقَاضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَصْحَابِ غَيْرَ أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ فِي الشَّخْصِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ كُلِّ دِينَارٍ لَا يُمْلَكُ قَدْ يُسْتَشْنَعُ ذَلِكَ وَيُنْكَرُ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْخُصُوصِيَّاتُ لَا تُمْلَكُ كَانَتْ الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ فَاعْلَمْ ذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا فِي السِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ وَالْمَغْصُوبِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ قَالَ (وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكَهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ اهـ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَيَجُوزُ النَّسَاءُ أَيْضًا فِي بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا «لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَيْ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ، وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى اهـ.

هَذَا وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ الْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ بَعْضُهَا كَانَ الْمُنَاسِبُ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارَضَهَا

(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَيْلِ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ

(وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذَا الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ

(وَرَابِعُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا

(وَخَامِسُهَا) أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلَّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ لَا أَنَّهُ عِلَّتُهُ

(وَسَادِسُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الْحَفِيدُ وَالْحَنَفِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ اهـ

(وَسَابِعُهَا) أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ فَحُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِمَةٌ عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا

(أَمَّا أَوَّلًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلَا فِي الزَّكَوِيَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فِي الْمِلْحِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَلَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ

(وَأَمَّا ثَانِيًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَصَّ النَّقْدَيْنِ لِشَرَفِهِمَا بِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ الْمُنَاسِبُ لَأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشَرْطُ التَّسَاوِي وَالْحُضُورِ وَالتَّنَاجُزِ فِي الْقَبْضِ وَاخْتَصَّ تِلْكَ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ أَيْ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَهِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ لِاشْتِرَاكِهِمَا كُلِّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ تُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ

(وَأَمَّا ثَالِثًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى الطَّعْمِ وَحْدَهُ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>