حَتَّى يَتَعَرَّضَ الْخَصْمُ لِدَفْعِهِ بِالْفَارِقِ وَيَكُونُ دَلِيلُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُدْرِكَهُمْ هَذِهِ النُّصُوصُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَذْكُرُوا نُصُوصًا أُخَرَ خَاصَّةً بِذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ خَاصَّةً وَيَقْتَصِرُونَ عَلَيْهَا، نَحْوُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أُمَّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَبْدًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَتْ أَرَأَيْتنِي إنْ أَخَذْته بِرَأْسِ مَالِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٥] فَهَذِهِ هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ، وَهَذَا التَّغْلِيظُ الْعَظِيمُ لَا تَقُولُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الذَّرَائِعُ وَاجِبَةَ السَّدِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ
(سُؤَالٌ) زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلُّهُمْ عُدُولٌ سَادَةٌ أَتْقِيَاءُ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ فِعْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ
(جَوَابُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ كَانَتْ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى شِرَاءِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ
(سُؤَالٌ) إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَا مَعْنَى إحْبَاطِ الْجِهَادِ وَإِحْبَاطُ الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشِّرْكِ
(جَوَابُهُ) أَنَّ الْإِحْبَاطَ إحْبَاطَانِ إحْبَاطُ إسْقَاطٍ وَهُوَ إحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يُفِيدُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَهُ وَإِحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالسَّيِّئِ فَإِنْ رَجَحَ السَّيِّئُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَالصَّالِحُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ كِلَاهُمَا مُعْتَبَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا عِبْرَةَ أَلْبَتَّةَ فَالْإِحْبَاطُ فِي الْأَثَرِ إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ بَقِيَ كَيْفَ يُحْبِطُ هَذَا الْفِعْلُ جُمْلَةَ ثَوَابِ الْجِهَادِ قُلْت لَهُ مَعْنَيَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّوَابِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ لَيْسَ بَاقِيًا بَعْدَ هَذِهِ السَّبَبِيَّةِ، بَلْ بَعْضُهُ، فَيَكُونُ الْإِحْبَاطُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَظَاهِرُ الْإِحْبَاطِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ أَمَّا يَتْرُكُ التَّعَلُّمَ لِحَالِ هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِيهِ وَرَأَتْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مِمَّا يَجِبُ نَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَذَلِكَ وَالْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ إذَا تَقَدَّمَهَا نَفَاذٌ يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبُ بِهَا وَهَكَذَا مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ كَالْحَرْثِ وَالْحَصَادِ فِي الرِّجَالِ وَالْغَزْلِ فِي النِّسَاءِ، فَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُهَا بِجِنْسٍ يُبَايِنُ بِهِ مَنْ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُعْتَادًا يُمْكِنُ أَكْثَرُ هَذَا الْجِنْسِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ.
وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ فِي الْإِمَاءِ فَكَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالرَّقْمِ وَالنَّسْجِ وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ إلَّا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَجِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ وَرَوَى عِيسَى عَنْهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَائِقَةً فِيهَا إنَّهُ جِنْسٌ تَبَيَّنَ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي كَوْنِهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا بِحَمْلِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّفَاذَ فِي ذَلِكَ وَالتَّقَدُّمُ حَتَّى يُمْكِنُ التَّكَسُّبُ بِهِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَإِنَّ الْكِتَابَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاكْتِسَابُ بِهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ مَقْصُودٍ أَوْ قَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ مَعَ النَّفَاذِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبِيدِ وَجْهَانِ وَرَوَى عِيسَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجِمَالَ لَيْسَ بِجِنْسٍ وَوَجْهٌ أَنَّهُ مَعْنَى لَا يَتَكَسَّبُ بِهِ الْإِمَاءُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ يَحْكِي أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ.
رَوَاهُ وَوَجْهُهُ مِنْ أَنَّ الْأَثْمَانَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ، وَلَيْسَ الْغَزْلُ وَلَا عَمَلُ الطِّيبِ بِجِنْسٍ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ مُعْتَادٌ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ وَعَمَلُ الطِّيبِ لَيْسَ مِمَّا يَكَادُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالتَّكَسُّبِ بِهِ، بَلْ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَيْلِ السَّبْقُ وَالْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا بِهَا تُبَايِنُ سَائِرَ الْحَيَوَانِ الْمُتَّحِدِ فَإِذَا كَانَ سَابِقًا فَائِقًا، فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا لَيْسَ بِسَابِقٍ مِنْ الْخَيْلِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَايِنُ غَيْرَهَا فِي الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَيْسَ السَّبْقُ بِمَقْصُودٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِلسَّبْقِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يُسَاقُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ أَفْضَلَ هَذَا الْجِنْسِ وَأَغْلَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْخَيْلِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يُتَّخَذُ لِذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فِي الْجِنْسِ عَمَّا لَيْسَ بِقَوِيٍّ عَلَى الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ أَفْضَلِ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا أَكْثَرَ.
وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْبِغَالَ كُلَّهَا مَعَ الْحُمُرِ الْمِصْرِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِلْأَعْرَابِيَّةِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالسَّيْرِ وَالْقِيَمِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ لِلْجِمَالِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهِ قَالَ فَأَبَى ابْنُ الْقَاسِمِ