فَخَشِيَتْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ الرِّبَا بِسَبَبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْإِحْبَاطِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أَيْ بِالْمُوَازَنَةِ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا فِي تَفْصِيلِ بَعْضِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبِ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَبِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَفْعَلُوا هَذَا، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَهُوَ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ فَأُبِيحَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَعَنْ الثَّانِي إنَّا إنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ إذَا تَقَابَضَا فِيهِ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ حَيْثُ تَقْوَى وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسَادِ لَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا صَحَّتْ أَرْكَانُهُ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعِنَبِ مِنْ الْخَمَّارِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْقَصْدِ بِالذَّاتِ بِخِلَافِ عُقُودِ صُوَرِ النِّزَاعِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْرَاضَ الْفَاسِدَةَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا وَالْبَيْعُ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَعَمَلِ الْخَمْرِ.
(تَنْبِيهٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَبُو الْفَرَجِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأَخْذِ الْأَقَلِّ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبْرِئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنْ فِيهِ صُورَةُ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّ الْأَسْمَاءَ بِهَا، فَلَمَّا اتَّفَقَتْ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهَا اسْمٌ وَاحِدٌ.
وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْمَنَافِعِ وَاتِّفَاقُهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذُكُورِ الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ وَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ فِي إنَاثِهَا أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَعْزِ كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَفِي كَوْنِ الضَّأْنِ كَذَلِكَ أَوَّلًا رِوَايَتَا سَحْنُونٌ وَيَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الطَّيْرِ اللَّحْمُ فَقَطْ وَفِي كَوْنِ الْبَيْضِ كَالدَّجَاجِ مَعْنًى مَقْصُودًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوَّلًا قَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. مُلَخَّصًا مَعَ إصْلَاحٍ.
وَلَا يَخْفَاك أَنَّ مَا بَنَى الْأَصْلُ عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى هُوَ الْقَانُونُ الَّذِي يَنْحَصِرُ فِيهِ أَقْوَالُ مَالِكٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَتَنْحَصِرُ فِيهِ الْمَنَافِعُ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَيَحْصُلُ بِهِ تَفْصِيلُ الْأَقْوَالِ وَتَمَيُّزُ تِلْكَ الْمَنَافِعِ مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ بِدُونِ أَدْنَى عُسْرٍ وَيَتَّحِدُ الْجَوَابُ فِي تَمْيِيزِهَا فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَالْجِنْسُ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِي أَنْوَاعِهِ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ هُوَ مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا أَيْ الْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا وَالنَّوْعُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ كَذَهَبٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَغْرِبِيُّ وَالدَّكْرُورِيُّ وَفِضَّةٍ وَأَنْوَاعُهَا الرِّيَالُ وَالْبَنَادِقَةُ وَنَحْوُهَا وَبُرٍّ وَأَنْوَاعُهُ الْبُحَيْرِيُّ وَالصَّعِيدِيُّ أَيْ وَالْبَطْرَاوِيُّ وَشَعِيرٍ كَذَلِكَ وَتَمْرٍ وَأَنْوَاعُهُ الْبَرْنِيُّ وَالْمَعْقِلِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَغَيْرُهَا وَمِلْحٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَنْزَلَاوِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ وَكُلُّ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا كَدُهْنِ وَرْدٍ وَدُهْنِ بَنَفْسَجٍ وَدُهْنِ زَنْبَقٍ وَدُهْنِ يَاسَمِينٍ وَدُهْنِ بَانٍ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْرَجِ فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا، وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ كَالتَّمْرِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ وَهُمَا جِنْسَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا وَكَاللَّبَنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ