للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ فَهَذَا تَلْخِيصُ مُدْرِكِ الْخِلَافِ وَيَعْضُدُنَا فِي مَوْطِنِ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: ١٢] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحُقُوقِ فَيَتَنَاوَلُهُ صُورَةُ النِّزَاعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْت حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجَرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِ الْوَارِثِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ فَلَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الطَّعَامِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

حَقِيقَةٌ حَالَةَ الْمُلَابَسَةِ لَزِمَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ، وَإِذَا حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ أَعْنِي مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً لَزِمَ كَوْنُ الِافْتِرَاقِ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَإِمَّا أَنْ تُرَجِّحَ الْمَجَازَ الْأَوَّلَ أَعْنِي فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبُهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ أَيْضًا

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ كَمَا عَلِمْت

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ

(الْوَجْهُ السَّادِسُ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِتَعَذُّرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، بَلْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الصِّحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِهَا فِيهِ ذَلِكَ

(الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ، وَقَدْ يَطُولُ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَكُلُّ مَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ

(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ

(الْوَجْهُ) التَّاسِعُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُرْوَ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ

(الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ هَذَا مَا رَجَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْعَشَرَةِ فِي إسْقَاطِ دَلَالَةِ الْخَبَرِ إلَّا الْعَاشِرَ فَقَدْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا أَيْ الْوَجْهِ الْعَاشِرِ فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَخْ فَيُقَالُ بِمُوجِبِهِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ قَوِيٌّ وَالْعَادَةُ غَالِبًا لَا يَطُولُ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ وَيَأْتِي جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>