للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ قَبْضِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّحِيحِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَيَمْتَنِعُ فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُعَارَضَةِ كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَدَلِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.

وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ قَبْلَ النَّقْلِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالطَّعَامِ وَتَعْمِيمُهُ فِيهِ يَتَعَدَّى لِمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ ابْنُ حَنْبَلٍ.

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ.

وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَيَّنِ لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةً فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ اهـ.

قُلْت وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي آيَاتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيّ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ مَدْلُولِ الْوَصْفِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ ذَاتُ مَا مُتَّصِفَةٌ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَانٍ أَوْ حُدُوثٍ فِي ذَلِكَ الْمَدْلُولِ فَإِذَا أُطْلِقَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ مُتَنَاوِلًا حِينَ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِكُلِّ ذَاتٍ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ تِلْكَ الصِّفَةِ بِالذَّاتِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاتِّصَافُ عَنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَدْلُولِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ أَيْ حِينَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهَا وَإِنْ سَبَقَ الِاتِّصَافُ الْإِطْلَاقَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَالْمُرَادُ لَا يَتَنَاوَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ.

وَإِنْ تَنَاوَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي عَلَيْهِ الْحَدُّ كَانَ تَعَلُّقُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِكُلِّ ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالزِّنَى بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ اتِّصَافُهَا بِهِ عَنْ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ الْمُتَّصِفُ بِالزِّنَى حَالَ النُّطْقِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ الْآنَ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ السَّابِقِ أَوْ اللَّاحِقِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ حَالِ التَّلَبُّسِ أَيْ الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا عَلَى التَّلَفُّظِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ لَاحِقًا وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ حَالَ النُّطْقِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَقِيقَةً، بَلْ إذَا لُوحِظَ نَحْوُ زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَجَعَلَ الْإِطْلَاقَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى سَابِقَةٍ أَوْ لَاحِقَةٍ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ أَوْ مَا يَكُونُ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا لُوحِظَ زَيْدٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمَاضِي وَجَعْلُ الْإِطْلَاقِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ الْآنَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ.

فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا لُوحِظَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَجُعِلَ الْإِطْلَاقُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذُكِرَ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْقَ وَاللُّحُوقَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوبِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّلْوِيح وَمُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَحْوَهُ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ أَيْ حُدُوثُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الذَّاتِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ بِالْوَضْعِ كَالْفِعْلِ يَجُوزُ قَصْدُ الْحُدُوثِ بِالْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الثُّبُوتِ أَيْ الْحُصُولِ دُونَ الْحُدُوثِ وَبِاعْتِبَارِ الْقَرَائِنِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الدَّوَامِ مَعَ الثُّبُوتِ دُونَ الْحُدُوثِ.

وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحُدُوثُ مَعَ الْقَرَائِنِ فَإِذَا أُطْلِقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>