عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي» ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَمَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبِنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ، فَشَدَّدَ الشَّرْعُ عَلَى عَادَاتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرَطَ فِي الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَفْهُومِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الزَّمَانُ مَلْحُوظًا فِيهِ وَمَدْلُولًا لَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي وَجَبَ حَدُّهُ فَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي حَدَثَ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظًا مَنْ لَمْ يَحْدُثْ زِنَاهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ فَالزِّنَا فِي غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَكَذَا يُقَالُ إذَا أُرِيدَ الَّذِي حَدَثُ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْوَصْفُ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا نُرِيدُهَا غَدًا أَوْ أَمْسِ إذَا أُرِيدَ بِضَارِبِ ذَاتٍ يَقَعُ مِنْهَا الضَّرْبُ غَدًا أَوْ وَقَعَ مِنْهَا الضَّرْبُ أَمْسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْوَصْفُ الْآنَ أَيْ مُتَّصِفَةٌ الْآنَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي سَيَقَعُ أَوْ وَقَعَ كَانَ مَجَازًا هُوَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْآنَ وُقُوعُ الْحَدَثِ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي كَمَا إذَا قِيلَ زَيْدٌ ضَارِبٌ الْآنَ وَأُرِيدَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ الْآنَ بِأَنَّهُ يَضْرِبُ غَدًا أَوْ ضَرَبَ أَمْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَارِبٍ الْآنَ كَانَ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْحَدَثُ الْآنَ إذْ وَصْفُ الذَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْحَالِّ بِوُقُوعِ الْحَدَثِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمَاضِي وُقُوعُ الْحَدَثِ الْآنَ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وُقُوعُ الْحَدَثِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ والأنبابي عَلَيْهَا قَالَ الأنبابي وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مُقْتَضَى كَلَامَيْ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَعُلَمَاءِ النَّحْوِ بِأَنَّ لِلْوَصْفِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي.
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا قَالَهُ أَهْلُ النَّحْوِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ انْتَهَتْ بِاخْتِصَارٍ لَكِنْ فِي كَلَامِ الرِّضَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضُوعٌ لِلْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ فِيهِ أَغْلَبُ قَالَ وَلِهَذَا اطَّرَدَ تَحْوِيلُ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إنْ قُصِدَ بِهَا الْحُدُوثُ إلَى صِيغَتِهِ كَحَاسِنٍ وَضَائِفٍ إلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ أُخِذَ بِظَاهِرِ كَلَامِ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ فَقَالَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ فِعْلٍ لِمَنْ قَامَ بِهِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَكْثَرِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَرَائِنِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَقَلِّ الْمُفْتَقِرِ لِلْقَرَائِنِ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِفَسَادِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَالَ الْأَصْلُ إنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا أَنَّ حَدِيثَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ فَيَسْقُطُ اهـ. قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا نَصُّهُ لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأْكِيدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَنْ التَّأْسِيسِ إذَا تَحَمَّلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةً لِلْكَلَامِ أَوْ اسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ فِي جَوَابِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ الْغَرَرَ الْمَعْفُوَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute