للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] (فَإِنْ قُلْت) أَدِلَّةُ الْخُصُومِ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ بِالطَّعَامِ لَا يُخَصِّصُ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَالْقَاعِدَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] عَامٌّ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْآيَةِ وَالِاعْتِمَادُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ تَخْصِيصِ الْأَدِلَّةِ.

(قُلْت) أَسْئِلَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّجِهَةُ الْإِيرَادِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهَا جَوَابٌ نَظَائِرُ: قَالَ الْعَبْدُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْهِبَةُ وَالْمِيرَاثُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَالْقَرْضُ وَالصُّكُوكُ، وَهِيَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ وَغَالِبَ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الْخَامِسِ الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّادِسِ إنَّمَا خَرَجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ.

وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ أَيْ لَا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَدَّ هَذَا الْوَجْهُ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّابِعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الزَّمَانِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الثَّامِنِ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ التَّاسِعِ لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ اهـ.

قُلْت وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ الْمُوَافِقِ لِلْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجَعْلِ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِنَا لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا فَافْهَمْ

٢ -

(وَصْلٌ) يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فِي أُصُولِ بَابِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَبْعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْجَوَازِ الْجُمْهُورُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِيهِ «وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا» وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي شُبْرُمَةَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ غَرَرٌ وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللُّزُومُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالُوا وَحَدِيثُ حِبَّانَ إمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِمَّا أَنَّهُ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ قَالُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ «إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ اهـ. .

٢ -

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَ مَنْ قَالُوا بِجَوَازِهِ خِلَافٌ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى اخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعَاتِ قَالَ فَمِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فِي اخْتِيَارِ الثَّوْبِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ فِي اخْتِيَارِ الْجَارِيَةِ وَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي اخْتِيَارِ الدَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْأَجَلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ فَضْلٌ عَنْ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَلُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَيِّ مُدَّةٍ اُشْتُرِطَتْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ جِنِّي وَجَمَاعَةٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُ فِيهِ أَجَلَ مِثْلِهِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إمْكَانِ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَبِيعٍ فَكَانَ النَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِحَالِ الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ وَيَفْسُدُ الْمَبِيعُ.

وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ وَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ جَازَ وَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَعُمْدَتُهُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْخِيَارُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ فِي حَدِيثِ مُنْقِذِ بْنِ حِبَّانَ أَوْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَذَلِكَ كَسَائِرِ الرُّخْصِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ مِثْلُ اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا، وَقَدْ جَاءَ تَحْدِيدُ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» .

وَأَمَّا حَدِيثُ مُنْقِذٍ فَأَشْبَهَ طُرُقُهُ الْمُتَّصِلَةُ مَا. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِمُنْقِذٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا بِعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ هِيَ أَقَاوِيلُ فُقَهَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>