بِالْآخَرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمَدِينَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ أَوْ يَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَوَرَدَ النَّهْيُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ، وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ.
. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلِفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي السَّلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَتْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّلَمَ مِنْ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَاشُ كُلُّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَإِطْلَاقُهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلَفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ اهـ. قَالَ الرَّهُونِيُّ يَعْنِي، وَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ إذْ هَذَا هُوَ الْمُتَوَهَّمُ وَبِهِ يُلْغَزُ قَالَ الْمَوَّاقُ، وَعِنْدَ الْقِرَاءَة عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لِنَفْسِهِ:
وَمَا سَلَمٌ قَبْضُ الْمُسَلَّمِ قَبْلَ أَنْ ... يُوَفِّي الَّذِي يُعْطِي الْمُسَلِّمُ جَائِزُ
أَجِبْ إنَّ عِلْمَ الْفِقْه رَوْضٌ وَدَوْحَةٌ ... جَنَى ذَاكَ فِي الْأَوْرَاقِ ذُخْرٌ وَنَاجِزُ
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَالْأَحْسَنُ فِي جَوَابِهِ
إذَا نَفْعُ دَارٍ شَهْرًا أُسْلِمَ فِي كَذَا ... لِأَدْنَى فَمُعْطَى ذَاكَ بِالْقَبْضِ فَائِزُ
فَهَذَا جَوَابُ مَا سَأَلْت وَقِسْ تُصِبْ ... وَأَخْلِصْ فَبِالْإِخْلَاصِ يُغْبَطُ حَائِزُ
وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَسِرُّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ مَطْلُوبَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَاحُ ذَاتِ الْعَيْنِ الْبَيْنِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ حَتَّى بَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَحَابُّوا» ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ فَمَنَعَ الشَّرْعُ مَا يُفْضِي لِذَلِكَ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْن بِالدَّيْنِ وَالْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فِي الْحَدِيثِ.
أَمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْكِلَاءَةِ الَّتِي هِيَ الْحِرَاسَةُ، فَيَكُونُ إمَّا رَاجِعًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ بِمَالِ الْكَالِئِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، بَلْ يُرَاقِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَجْلِ مَا لَهُ عِنْدَهُ وَإِمَّا رَاجِعًا لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ فَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ عَنْ الْحَذْفِ لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ وَإِمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَفِي كَوْنِ الْوَصْفِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَمْرَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ
وَثَانِيهِمَا أَنَّ وُرُودَ النَّهْيِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَبَيْعُ الْغَائِبِ وَفِي كَوْنِهِ أَيْ وَصْفُ كَالِئٍ فِي الْحَدِيثِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكِلَاءَةَ تَحْصُلُ حَالَ الْعَقْدِ وَتَسْتَمِرُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ وَأَنَّ السَّلَمَ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ إلَّا أَنَّ الْمَعَاشَ كُلَّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَّاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ قَوْلَانِ لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ فَافْهَمْ.
(الشَّرْطُ الثَّانِي) السَّلَامَةُ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلَمَ شَاةٌ فِي شَاتَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ حَتَّى صَارَ أَصْلًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ