للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ كَمَصْلَحَةِ السِّوَاكِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ، وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي أَحْكَامِ الْمَوَاقِيتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

اسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقَرْضَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الرِّبَا لُغَةً الزِّيَادَةُ وَلَا زِيَادَةَ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَالرِّبَا شَرْعًا الْمَمْنُوعُ وَالْقَرْضُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ دِينَارًا بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الَّذِي شَأْنُهُ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ، وَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ الَّذِي شَأْنُهُ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَهُمَا أَصْلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ قَالَ (وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ (وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ)

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

غَيْرِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ انْدَفَعَ دِينَارٍ لِأَخْذِ عِوَضِهِ دِينَارًا لِأَجْلِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا فَإِذَا دَخَلَ السَّلَفُ غَرَضَ انْتِفَاعِ الْمُسْلَفِ بَطَلَتْ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ قَصْدُ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَآلَ الْآمِرُ إلَى حَقِيقَةِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَضَابِطُ هَذَا الشَّرْطِ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إنْ خَالَفَ الثَّمَنَ جِنْسًا، وَمَنْفَعَةً جَازَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَوْ اتَّفَقَا امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ، فَيَكُونُ قَرْضًا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلدَّافِعِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَارَتْ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلْقَابِضِ فَالْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْعُ لِصُورَةِ الْمُبَايَعَةِ وَلِلْمُسْلَفِ رَدُّ الْعَيْنِ وَهَاهُنَا اشْتَرَطَ الدَّافِعُ رَدَّ الْمِثْلِ فَهُوَ غَرَضٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلَانِ الْجَوَازُ لِلِاخْتِلَافِ وَالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنْفَعَةُ دُونَ الْجِنْسِ جَازَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَايَعَةِ.

(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) السَّلَامَةُ مِنْ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ جَذَعٌ فِي نِصْفِ جَذَعٍ مِنْ جِنْسِهِ وَسَرَّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ

(قِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ

(وَقِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبُلِ وَالتَّعَانُقِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَحَاسِنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ

(وَقِسْمٌ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَكَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الذِّمَمِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِيهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ، وَأَمَّا؛ لِأَنَّهَا كَالْقُبْلَةِ وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ

(الشَّرْطُ الرَّابِعُ) السَّلَامَةُ مِنْ النَّسَاءِ فِي الرِّبَوِيِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ النَّقْدَانِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ وَذَلِكَ إمَّا اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا يَرَاهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِمَّا اتِّفَاقُ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الطَّعْمِ مَعَ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي عِلَّةِ النَّسَاءِ اهـ.

وَإِمَّا عَلَى مَا يَرَاهُ ابْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ كُلُّ شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا عِلَّةَ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ جِنْسَهُ أَيْ يَبْرَأُ وَبَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ كَبَاقِلَّا وَعَدَسٍ وَأَرُزٍّ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ كَرَصَاصٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.

(الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَيَمْتَنِعُ سَلَمُ خَشَبَةٍ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ نَعَمْ سَيَأْتِي عَنْ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ أَنَّ الضَّبْطَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ يَقُومُ مَقَامَ الضَّبْطِ بِالصِّفَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ السَّابِعِ الْآتِي لَا سِيَّمَا إذَا أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ لِقَوْلِ صَاحِبِ سُلَّمِ الْعُلُومِ، وَلَوْ اسْتَقْرَيْت عَلِمْت أَنَّ الْمُمْكِنَةَ الْعَامَّةَ أَعَمُّ الْقَضَايَا وَالْمُمْكِنَةُ الْخَاصَّةُ أَعَمُّ الْمَرْكَبَاتِ وَالْمُطْلَقَةُ الْعَامَّةُ أَعَمُّ الْفِعْلِيَّات وَالضَّرُورِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ أَخَصُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>