للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ، وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ

مَصْلَحَةَ

إيجَابٍ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ يَقْتَضِي عِظَمَهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ السِّوَاكِ تَقْتَضِي الْإِيجَابَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَفَاسِدَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ رَأْيُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَلَيْسَ رَأْيُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَفْظُهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمُرَادِهِ.

قَالَ (وَيَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةَ إيجَابٍ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ عِظَمُهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مُعَاوَضَةَ لِأَنَّهَا أَصْلَانِ مُتَغَايِرَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَارَضَةِ فَقَوْلُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ دَعْوَى وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهَا إلَّا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ أَعْظَمُ مِمَّا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ مِنْ فُحْشِ الْخَطَأِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ الَّتِي هِيَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَهَلْ فَوْقَ الْإِيجَابِ رُتْبَةٌ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ وَفِي مَهْوَاةِ الِاعْتِزَالِ وَالتَّفَلْسُفِ تَوْرِيطٌ.

قَالَ (فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْبَسَائِطِ وَالْمَشْرُوطَةُ الْخَاصَّةُ أَخَصُّ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى وَجْهٍ اهـ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّرْطَ السَّابِعَ يَتَضَمَّنُ الْإِطْلَاقَ الْعَامَّ وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ فَافْهَمْ (الشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ يَقْبَلَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ النَّقْلَ حَتَّى يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ الثِّمَارَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَمَنَعَ ذَلِكَ دَاوُد وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ مَصِيرًا إلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَنْضَبِطُ مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالرَّقِيقُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ إلَى أَنَّ السَّلَمَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِنَهْيِهِ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ مَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قِلَاصِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذَ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» .

وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بِكْرًا» قَالُوا، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تُعَارِضُ الْآثَارَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالثَّانِي تَرَدُّدُ الْحَيَوَانِ بَيْنَ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ أَوْ لَا يُضْبَطُ فَمَنْ نَظَرَ إلَى تَبَايُنِ الْحَيَوَانِ فِي الْخَلْقِ وَالصِّفَاتِ وَبِخَاصَّةِ صِفَاتِ النَّفْسِ قَالَ لَا تَنْضَبِطُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَشَابُهِهَا قَالَ تَنْضَبِطُ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبَيْضِ وَالدَّرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْبَيْضِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ بِالْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ فِي اللَّحْمِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّرِّ وَالْغُصُوصِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ اهـ.

(الشَّرْطُ السَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فَلَا يُسْلَمُ فِي الْجُزَافِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا، ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا وَالتَّقْدِيرُ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْرِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مَعَ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ أَيْ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا، وَلَيْسَ يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ نَصٌّ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْجُزَافِ إلَّا فِيمَا يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ.

وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ السَّلَمُ عِوَضٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ كَالثَّمَنِ وَطَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ أَوْ الصِّفَةُ وَالْأَوَّلُ يَمْتَنِعُ فَتَعَيَّنَ الْوَصْفُ اهـ.

(الشَّرْطُ الثَّامِنُ) ضَبْطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>