للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ، وَهُوَ ضَابِطُ جَمْعِ الْفَرْقِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ فَكَذَلِكَ الْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِح الْعُقُودِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ فَكَانَتْ مَانِعَةً، وَوُجُودُهَا يُوجِبُ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ حَتَّى يَبْقَى الْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى طَلَبِهِ فَيَجِدُ الْآبِقَ فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ الْمُتَقَدِّمُ مَجَّانًا فَإِذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَيُنَاسِبُ ذَلِكَ اللُّزُومَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ انْقَسَمَتْ الْعُقُودُ قِسْمَيْنِ

أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ يَحْصُلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَتَهُ مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ عُقُودُ الْجَعَالَةِ، وَالْقِرَاضِ، وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَتَحْكِيمِ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ، وَأَنَّ الْجَعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ حُصُولٌ لِرِبْحٍ فِيهِ مَجْهُولٍ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهَا رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ، وَكَذَلِكَ الْمُغَارَسَةُ مَجْهُولَةُ الْعَاقِبَةِ فِي نَبَاتِ الشَّجَرِ، وَجَوْدَةِ الْأَرْضِ، وَمَئُونَاتِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُعَانَاةِ الشَّجَرِ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ فَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ فَرْطِ بُعْدِهِ فَإِلْزَامُهُ بِالْعَمَلِ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ قَدْ يَطَّلِعُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرٍ أَوْ ضَرَرٍ فَجُعِلَتْ عَلَى الْجَوَازِ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ خَطَرٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا حَكَمَ فَقَدْ يَطَّلِعُ الْخَصْمَانِ عَلَى سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُشْرَعُ اللُّزُومُ فِي حَقَّيْهِمَا نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

السَّمَاعُ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَسَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً شَهَادَةٌ لَا مَذْهَبٌ لَهُ حَتَّى يُقَلَّدَ فِيهِ فَتَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ ظَهَرَ تَخْطِئَةُ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ تَخْطِئَةُ مَنْ يُفْتِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ جَاءَ حَاكِمًا شَافِعِيًّا فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَكَمَا يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ اهـ.

بِتَصَرُّفٍ فَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَلَا إشْعَارَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نَوْعًا مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ فَمَا بَسَطَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِ مَا قَالَهُ هُنَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ اهـ.

قُلْت وَفِي الْحَوَاشِي الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ كَالْمُتَوَاتِرِ إلَّا أَنَّ حُصُولَهُ فِي الْمُتَوَاتِرِ بِوَاسِطَةِ مَا لَا يَنْفَكُّ التَّعْرِيفُ عَنْهُ عَادَةً مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَأَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ فَحُصُولُهُ فِيهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ اهـ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ» ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا عَلَى أَنَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ بِدُونِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إجْمَاعًا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ سَمْعًا اهـ.

قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَا عَقْلًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ إلَى الْقَبَائِلِ وَالنَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ اهـ.

قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ زَكَرِيَّا، وَشُرُوطُهُ عَدَالَةٌ وَسَمْعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>