للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَعَلَى الضَّمَانِ، وَالْمُبْهَمُ، وَبِدِينٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا، وَعَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ يَبِيعُهُ، وَيَتَّجِرُ بِثَمَنِهِ، وَأُلْحِقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي الْكِتَابِ إذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ، وَلَا خَالِصَةً لِمُشْتَرِطِهَا، وَمَتَى كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ، وَعَنْ مَالِكٍ قِرَاضُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بِالْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَإِلْغَاءِ الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَرَابِعُهَا لِمُحَمَّدٍ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ الْمُسَمَّى وَخَامِسُهَا تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ:

وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهُ

قِرَاضُ عُرُوضٍ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ ... وَتَحْدِيدُ وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ

وَإِنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ ... وَأَنْ يُشْتَرَى بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ

وَأَنْ يُشْتَرَى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا ... وَأَعْطِ قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ

وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنَ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ ... وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ

وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ ... وَيَتَّجِرَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ

قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَقِرَاضُ الْمِثْلِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَبَصَرٌ وَغَيْرُهُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ.

فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَسَبَبُ الْخِلَافَ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا أَمْ لَا مُطْلَقًا أَمْ يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ. (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ فَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥] قَالُوا الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَكَّةَ لِمَا رَوَى ابْنُ حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج: ٢٥] أَيْ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥] أَيْ سَوَاءً الْمُقِيمُ فِي الْحَرَمِ، وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ الْمُقِيمُ فِيهِ، وَالْغَرِيبُ سَوَاءٌ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهَا لِلنَّاسِ سَوَاءً فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِمِلْكٍ فِيهَا دُونَ أَحَدٍ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الحج: ٢٥] مَا نَصُّهُ وَأَوَّلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَكَّةَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج: ٢٥] عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِهَا وَإِجَارَتِهَا ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَادِي وَالْعَاكِفِ فِي مَنَازِلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ الْمُقِيمُ بِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ مِنْ الْقَادِمِ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى (وَأَمَّا السُّنَّةُ) فَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا تُبَاعُ وَلَا تُكْرَى، وَلَا تُدْعَى إلَّا السَّوَادَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ فَمَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ (وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ بَيْعُ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَلَا إجَارَتُهَا» (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلْ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>