(أَحَدُهُمَا) الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ، وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَيْهِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ يَبْقَى النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاتِ الْمِثْلِ فِي الْمَسَاقَاتِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ)
قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاتُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ تَمْرٍ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهُ، وَاجْتِمَاعَهَا مَعَ الْبَيْعِ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ ... سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا
مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ... وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا
وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ ... مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا
وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْحَزْمَ ذَمُّهَا
، وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ بِعَيْنِهِ، وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا.
(الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْأَهْوِيَةِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ، وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ فَلَا كَلَامَ مَعَهُ فِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَ دُورِهِمْ دُونَ الْحُجَّاجِ (وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا فِي بَطْنِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِك بِمَكَّةَ فَقَالَ هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ لَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ، وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ قَالَ الْفَاكِهِيُّ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ صَارَتْ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ وَلَدِهِ فَمِنْ ثَمَّ صَارَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهَا وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكُهُ فَأَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا طَالِبٌ وَعَقِيلٌ عَلَى الدَّارِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا كَانَا لَمْ يُسْلِمَا، وَبِاعْتِبَارِ تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَقِّهِ مِنْهَا بِالْهِجْرَةِ، وَفَقْدِ طَالِبٍ بِبَدْرٍ فَبَاعَ عَقِيلٌ الدَّارَ كُلَّهَا.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ كَانَ أَبُو طَالِبٍ أَكْبَرَ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ احْتَوَى عَلَى أَمْلَاكِهِ وَحْدَهُ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ فَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا عَقِيلٌ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاعَهَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ بَاعَ عَقِيلٌ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِدُورِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَرُّفَاتِ عَقِيلٍ إمَّا كَرَمًا وُجُودًا، وَإِمَّا اسْتِمَالَةً لِعَقِيلٍ، وَإِمَّا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ اهـ.
حَكَى الْفَاكِهِيُّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَوْلَادِ عَقِيلٍ إلَى أَنْ بَاعُوهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ اهـ.
كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالْقَسْطَلَّانِيِّ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَرِثَا أَبَاهُمَا لِأَنَّهُمَا إذْ ذَاكَ كَانَا كَافِرَيْنِ فَوَرِثَاهَا ثُمَّ أَسْلَمَ عَقِيلٌ فَبَاعَهَا اهـ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ فَأَمَّا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَارِّ فَهُوَ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ هَذَا فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْأَصْلُ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ التَّسَاوِي، وَلَئِنْ