للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا، وَيَبْنِيَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ، وَسَبَبُ خُرُوجِ الرَّوَاشِنِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَفْنِيَةَ هِيَ بَقِيَّةُ الْمَوَاتِ الَّذِي كَانَ قَابِلًا لِلْإِحْيَاءِ فَمَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِيهِ لِضَرُورَةِ السُّلُوكِ وَرَبْطِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْهَوَاءِ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ مُبَاحًا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ.

وَأَمَّا الْمُسْتَدَّةُ فَلَا لِحُصُولِ الِاخْتِصَاصِ وَتَعَيُّنِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ. هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ.

وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى مَا عَلِمْت، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلِاسْتِشْرَافِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ مِنْ الْأَنْهَارِ وَمَوَاضِعِ الْفَرَحِ وَالتَّنَزُّهِ وَالِاحْتِجَابِ عَنْ غَيْرِهِمْ بِعُلُوِّ بِنَائِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَلَا تَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمْسِكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوْشَنِ إلَى قَوْلِهِ هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ) قُلْت تَعْلِيلُهُ بَقَاءُ أَهْوِيَةِ الطُّرُقِ غَيْرِ الْمُسْتَدَّةِ عَلَى حَالِهَا مِنْ قَبُولِهَا لِلْإِحْيَاءِ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَيْهَا مُشْعِرٌ بِنَقِيضِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حُكْمُ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ.

قَالَ (وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ هَوَاءٍ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ. وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ)

قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَتَوَفَّرُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

سَلَّمْنَا الْمُسَاوَاةَ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ صِحَّةِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يُكْتَفَى بِهَا بَلْ يُكْشَفُ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَوَجَدْنَا أَنَّ مَا يَقْضِي بِهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ أَوْلَى وَأَصْوَبُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَاكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً، وَلَا يَحْجُرَ مَوْضِعًا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْبَنِيَ فِيهِ بِنَاءٌ، وَكَذَلِكَ مِنًى لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُ لَك بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ، قَالَ: لَا يَا عَائِشَةُ إنَّهَا مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ» فَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَوَجَدْنَا مَكَّةَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ فِيهَا الْبِنَاءُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ.

وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ حَيْثُ أَضَافَا إلَيْهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ مِمَّا يُبْنَى فِيهَا الدُّورُ، وَمِمَّا يُغْلَقُ عَلَيْهَا الْأَبْوَابُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَكُونُ صِفَتُهَا صِفَةَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاكُ، وَتَقَعُ فِيهَا الْمَوَارِيثُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ الَّتِي فِيهَا، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَضَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّارَ لِأَبِي سُفْيَانَ إضَافَةَ مِلْكٍ بِقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُمْ دُورٌ بِمَكَّةَ دَارٌ لِأَبِي بَكْرٍ، وَلِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُمْ فَبَعْضٌ بِيعَ، وَبَعْضٌ فِي يَدِ أَعْقَابِهِمْ إلَى الْيَوْمِ، وَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَارَيْنِ بِمَكَّةَ إحْدَاهُمَا بِسِتِّينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذِهِ قِصَصٌ اشْتَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ فَصَارَتْ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَمْ تَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَجَازَ بَيْعُهَا كَسَائِرِ الْأَرَاضِي اهـ.

كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ، وَالْقَوْلُ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَخُلَفَائِهِمْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ وَقَائِعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ الْحَطَّابُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ، وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْعَ رِبَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>